فلسطين أون لاين

انتخابات نقابة المهندسين وما بعدها

في ملامح النتيجة العامة التي أفرزتها انتخابات نقابة المهندسين في الضفة الغربية، التي أجريت الخميس الماضي، رأينا تطوراً وتقدماً لافتاً عن انتخابات السنوات الماضية، فقد فاز ائتلاف القوى المعارضة للسلطة برئاسة النقابة وعدد من مقاعد مجلسها، وحقق تقدماً جيداً على مستوى الفروع.

والتقدم لا يقتصر على النتيجة، بل على التمكن من تشكيل ائتلاف من عدة قوى (حماس والجبهة الشعبية ومستقلين) لمواجهة قائمة حركة فتح وكسر هيمنتها وتحكّمها وتوظيفها عنصري المال والمصالح لإدامة سيطرتها على مختلف مفاصل العمل النقابي في الضفة الغربية.

تحدث كثيرون عن دلالات التقدم السياسية، وخصوصاً أن الفائزة بالرئاسة (د. ناديا حبش) من الشخصيات البارزة المعارضة لنهج السلطة والمناصرة لخط المقاومة، وسبق أن تعرضت للاحتجاز لدى أجهزة السلطة على خلفية مشاركتها في الحراك المناهض لاغتيال نزار بنات.

لكنّ ما أراه مهمّاً في هذه الحالة الانتخابية هو ما قدمته من نموذج ائتلافي راقٍ ضمن القائمة المنافسة لقائمة فتح، من خلال طيف متميز من المهندسين والمهندسات ذوي الكفاءة والقوة والحضور، وإن كان العمل النقابي لا يحتمل كثيراً الاصطفافات السياسية، كون مجاله منحصراً في الخدمات والمناشط النقابية التي يمكنه من خلالها الارتقاء بقطاعه وتطويره، إلا أن فكرة الائتلاف تبدو مهمة وجوهرية في الظرف الراهن، ويمكن استلهامها والبناء عليها في مجالات أخرى انتخابية وسياسية وميدانية.

على مدار الخمسة عشر عاماً الفائتة أفرزت سياسات السلطة المختلفة واقعاً بالغ الرداءة، ليس المقصود فقط من خلال نهجها السياسي وفسادها المالي والإداري، بل كذلك عبر إفسادها واقع وطبيعة كثير من القطاعات الوطنية الحيوية، كالنقابات والجامعات والمؤسسات المختلفة، حين أحكمت هيمنتها عليها، من خلال الترغيب والترهيب، وشراء الذمم والولاءات، واستغلال النزعات المناطقية والعشائرية لصالح التمكين لنفسها، ووظفت المال السياسي توظيفاً سيئاً حتى بات مألوفاً أن تستخدمه في مختلف الجولات الانتخابية، في البلديات والنقابات والجامعات والنوادي، وكل مكان يمكن أن تجري فيه انتخابات.

صبغ هذا الإفساد مختلف مجالات الحياة في الضفة الغربية بلون الحزب الواحد، رغم أن هذا الحزب يخسر شعبياً وتتناقص القناعة بجدوى مشروعه السياسي مع مرور الوقت، لكن الهيمنة على مفاصل الحياة الحيوية في الضفة الغربية والتحكم بمصائر ومصالح الناس ولقمة عيشهم، مكنته من التنفذ والتمدد وتمرير صورة موهومة مفادها أن الضفة الغربية معقل حركة فتح والسلطة، وهي صورة مخاتلة تعرف حركة فتح قبل غيرها أنها تجانب الحقيقة، وأنها مفروضة بقوة الأدوات التي تملكها هي ويفتقدها غيرها في ساحة مثل الضفة الغربية، حيث لا تمكين ولا سيطرة إلا للجهة المرضي عنها إسرائيلياً وأمريكيا.

أمام واقع معقد وسوداوي كهذا، تبرز حاجة ملحّة لتشكيل ائتلاف واسع لكل الأطياف المعارضة لنهج السلطة، ولأن يتبلور هذا الائتلاف واقعاً عملياً في مناشط كثيرة ميدانية ونقابية وطلابية ومقاومة، لا أن يقتصر فقط على اللغة السياسية ذات التقاطعات العديدة، إذ من شأن هكذا تحالفات أن تساهم في وقف مسلسل الفساد المتواصل، أو على الأقل أن تحدّ منه، وتكسر واقع الهيمنة والاحتكار والتفرد بإرادة الفعل والإنجاز وليس فقط عبر المعارضة الكلامية.

لا يبدو دائماً مهماً حساب الخسائر والمكاسب الانتخابية، أو اليأس بعد نتيجة هنا أو هناك تحصّلها أذرع السلطة بقوة البلطجة والمال السياسي والتلويح بسيف الوظائف والمصالح، رغم أن أخذ العبر مهم بعد كل جولة، لكنّ الأهمية الأساسية في الظرف الراهن هي للتحرك والتقدم، وللفعل المجابِه لسياسات الإقصاء والعبث والتفرّد، وللوعي بالواجب الفردي والجماعي، لوقف هذا النزيف في خاصرة كرامتنا الوطنية، وللتصدي لهذا الهدر لقيمنا المختلفة، إذ لن تستردّ الروح النضالية الجمعية بريقها وعافيتها في حين ينخر الفساد أوصال مجتمعنا، ويحاصر آفاقنا بالقمع والترهيب والتسلّط.