"المطلوب من حركة حماس حتى تكون شريكة أن تعترف رسميا وبتوقيع إسماعيل هنية بقرارات الشرعية الدولية، ودون ذلك لا حوار معهم". بهذه اللغة جاء رد محمود عباس على رسالة رجل الأعمال السيد منيب المصري رئيس هيئة "النوايا الحسنة" ، رسالته التي أكد فيها لعباس أن اللقاء مع وفد حماس في الدوحة برئاسة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية كان إيجابيا وأن الحركة أكدت التزامها بإنهاء الانقسام وحرصها على استعادة الوحدة الوطنية .
ويشير المصري أيضا إلى أن اجتماعه الآخر مع السيد يحيى السنوار رئيس حركة حماس في قطاع غزة كان مثمرا، وأنه وجد كل احترام وترحيب، وكان هناك اتفاق معه على كل ما قاله. وتمنى كذلك رئيس "هيئة النوايا الحسنة" لو أنه نجح في مهمته لتشكيل جبهة عريضة تضم الكل الوطني، والعمل على إجراء انتخابات للهيئات الفلسطينية تكون القاهرة مركزها. وهنا تقتضي الضرورة التذكير أن القضية لم تكن يوما في تشكيل الجبهات، أو في نقص البرامج السياسية، أو حتى في توافر الاتفاقات على كل ذلك، وهي كثيرة لا تحصى، وقد كانت القاهرة موئلا لها في الأعوام 2005 , 2006 , 2007 مرورا بتواريخ عدة، حتى رد عباس "الميمون" على رسالة رجل الأعمال منذ أيام !!
أسئلة كثيرة يثيرها تذييل عباس المتغطرس الذي يفتقد كل معاني الأدب أو اللباقة كما تقتضيه الأصول البروتوكولية فما بالكم بالمبادئ الوطنية وألف باء الوقوف صاغرا في حضرة الدم الزكي للشهادة والرباط وعزم الرجال .
ردود فعل عديدة لما تزل حبرا على ورق يمتد حتى السماء من العديد من الرموز الوطنية في فصائل مقاومة الشعب وحصنه المكين لنصر أكيد مبين تصدح مستنكرة هذا الكبر المشين، وذاك الصلف المتطاول على الأعز من بني هذا الشعب العظيم من واحد لا سلطة له حتى على هندامه الملوث بالولوغ في تخابر دنس مع عدو نازي عنصري على أرض الطهارة والفداء التي بارك الله لها وفيها وفي كل ما حولها .
ومربط الفرس هنا ليس في النوايا الحسنة أو الجهود المبذولة والطيبة بحثا عن المخارج واجتهادا لتدوير الزوايا نحو "المأمول " !! إن من يقف نظامه المتداعي اليوم على حافة هاوية جرف سحيق يوغل في هدم القلعة الوطنية ويستمر دون رادع في السمسرة على الثوابت الوطنية.
لقد بات ملحا اليوم قول كلمة الفصل ووضع الأمور في نصابها الصائب ! فكيف يمكن أن تقوم مصالحة أو أن يُسوَّى انقسام - كما يصطلحون - بين من يضعون الروح على الأكف يقاومون عدوا كولونياليا عنصريا نازيا يقدمون فلذات الأكباد دفاعا عن تراب الوطن وذودا عن مقدساته، وبين عملاء يتخابرون مع هذا العدو ويغتالون مجاهديه!!
إن ما يجب الذهاب إليه اليوم هو الاستجابة لنداء هذا الشعب الكبير الذي ينتفض اليوم وفي عقر دار هذا الطاغية وطابوره الخامس، ويخوض وعلى مدار الساعة -وظهره عارٍ- مقاومةً شعبيةً ومسلحةً ممتدةً يترجل فيها عديد الجرحى والشهداء برصاص العدو الحي ومتعاونيه بفعلهم الغادر .
شعبنا الفلسطيني يطالب اليوم البعض بالتوقف عن ترديد العبارات الجوفاء الزائفة بأن على عباس "العودة إلى حضن الشعب الدافئ!!" ووقف الهيمنة والتفرد والتمرد على خيار الشعب وعلى الإجماع الوطني، فالمعضلة ليست فقط في شخص عباس وإنما في النهج السياسي ومعه فريقه الذين صنعهم العدو لإدارته، ذاك النهج الذي جاء به صك إذعان أوسلو الأمني للتقاسم الوظيفي في سيناريو مواجهة المقاومة للقضاء عليها تمهيدا لإنهاء وبيع ما تبقى من الثوابت الوطنية .
لقد شكل اغتيال الشهيد نزار بنات الشعرة التي قصمت ظهر البعير لتكشف وما سبقها من عمليات قتل سافرة لكل ما هو وطني انحدار سلطة عباس إلى حضيض خياني واضح وفادح وفاضح، كما أن انتخابات نقابة المهندسين ونتائجها يجب أن تشكل هدفا يجب اتباعه، ونهجا وخيارا رحب الكل الوطني به في مواجهة طغمة ظالمة بدأت بالاعتراف بشرعية احتلال العدو للتراب الوطني وذهبت نحو تقديس التخابر معه، فباعت القدس وقضية اللاجئين، وتنبذ المقاومة بل وتعدها إرهابا وفوضى، وتقاتلها جنبا إلى جنب مع جيش الاحتلال جهارا نهارا دون خجل .
وعباس وفريقه يجاهرون اليوم - كما كان منذ ربع قرن ونيف - بأن على فصائل المقاومة إلقاء السلاح والاعتراف بكيان الاحتلال، وأنه وُجد ليبقى كما يهذي أصحاب هذا النهج، بل أن تقاتل المقاومة نفسها وأن تفرط بقدسها وترابها .
أعتقد أن أي قراءة هادئة وموضوعية لمسيرة نهج أوسلو بكل وقائعه الماثلة أمامنا تصفع كل مكابر بأن المطلوب اليوم من كل الوطنيين التلاقي لإنجاز وحدة وطنية حقيقية لتحصين القلعة الوطنية واعتماد برنامج مقاوم أثبتت الحياة أنه الممر الإجباري المأمون والمأمول نحو الحرية والاستقلال ولمواجهة العدو الصهيوني وعملائه .