مشهد الشاب الفلسطيني البطل الذي عمد إلى الثأر من أحد قناصي جيش الاحتلال في أثناء استهدافه الأطفال والمتظاهرين السلميين شرقي غزة، الذي انتشر كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لاقى استحسانًا كبيرًا من الجمهور الفلسطيني، في تأييد شعبي جارف لهذا الفعل البطولي، ودلالة على مدى الغضب الشعبي المتصاعد تجاه الاحتلال وسياساته العدوانية ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في غزة.
التفاوض المباشر تحت النار بين المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الذي شهدته غزة خلال الأيام الأخيرة كان عنوانه حراكًا شعبيًّا ميدانيًّا على السلك الزائل شرقي مدينة غزة، في مواجهة جيش الاحتلال الذي عمد إلى تشديد حصاره المتواصل على غزة، وقام بقصف عنيف ومتكرر خلال الأيام الماضية لعدة مناطق في محافظات غزة، وعمد إلى إطلاق الرصاص المباشر على المتظاهرين السلميين، فأصاب واحدًا وأربعين متظاهرًا، منهم اثنان وعشرون طفلًا، ومصابان بحالة حرجة وفق بيانات وزارة الصحة في غزة.
هذا التفاوض تحت النار باتت تقوده تجمعات شعبية غاضبة ورافضة لاستمرار الحصار الظالم على غزة، وعبرت عن هذا الرفض والغضب بأدواتها الشعبية، بإطلاق بالونات حارقة وصلت إلى عمق مستوطنات غلاف غزة، ونجحت في الوصول إلى ثكنات جيش الاحتلال، والاحتكاك المباشر بنخبة جيشه وقناصته المدججين بالسلاح على طول السلك الزائل شرقي غزة، في رسالة إنذار لحكومة الاحتلال حال أصرت على استمرار حصار غزة.
المتابع للشارع الفلسطيني في غزة اليوم يلحظ بوضوح حالة من الغضب المتنامي نتيجة تراجع الاحتلال عن الالتزام بتعهداته السابقة، بإعمار المنازل التي دمرتها طائراته خلال عدوانه الأخير على غزة، والسماح بفتح المعابر الحدودية وفق ما كانت عليه الحالة قبيل العدوان، وإدخال المنحة القطرية التي تغطي وقود محطة الكهرباء الوحيدة في غزة، وتصل مساعداتها النقدية إلى مئة ألف أسرة غزية فقيرة، ما يعني عمليًّا إصراره على استمرار الحصار السياسي والاقتصادي للسنة الخامسة عشرة على غزة.
ورغم إدراك المقاومة حالة الغضب المتصاعدة في الشارع الغزي، وهشاشة الوضع السياسي الداخلي في كيان الاحتلال، وأن جولة تصعيد جديدة بين غزة والاحتلال كفيلة بإسقاط حكومة بينيت-لابيد، ومنحها الوسيط المصري مدة كافية دون جدوى لإلزام الاحتلال بكسر حصاره عن غزة؛ إنها لن تقبل استمرار سياسة التسويف والوعودات وشراء الوقت التي تنتهجها حكومة الاحتلال تجاه غزة.
واليوم مع الرسائل الميدانية المتبادلة تحت النار، واستمرار معركة عض الأصابع بين المقاومة والاحتلال، يبقى الفعل الميداني المؤثر، والقدرة على القراءة الدقيقة للموقف السياسي لمختلف الأطراف، أدوات تملكها المقاومة الفلسطينية، فهي تدرك يقينًا أن غزة رافعة سياسية لكل من اقترب منها من وسطاء، وأن الاحتلال لن يمنح غزة حقّها في حياة كريمة دون ضغوطات، فهل ستُقدم المقاومة على ابتكار أشكال جديدة من رسائلها الميدانية لتفاجئ بها الاحتلال في الأيام القادمة؟