فلسطين أون لاين

عشقها للفن كسر عزلتها

العمراوي.. ريشتها المغربية تستنطق الألوان بحب فلسطين

...
كريمة العمراوي (أرشيف)
طنجة-غزة/ هدى الدلو:

تحدت صمتها وغياب الحروف لتستنطق الألوان بحب فلسطين، وإذ غدت ريشتها لسانها العاجز عن الكلام، لم تكن تعرف أن خليطًا من الألوان لرسم القبة المذهبة وبعضًا من الخيال الصامت، ورقعة ثوب يمكنها أن تختصر المسافة الطويلة.

كريمة العمراوي (30 عامًا) تسكن في مدينة طنجة شمالي المغرب، ترعرعت في حضن أسرة محافظة نسجت لها علاقة مع الفن التشكيلي.

في الخامسة من عمرها أظهرت تأثرًا كبيرًا بريشة أبيها الذي كان يرسم لوحات جميلة في مذكراته، كما تأثرت بأختها الكبرى فاطمة التي كانت تعشق الرسم والتلوين وهي طفلة.

وفي سن الثامنة لأسباب صحية فقدت "كريمة" نعمة السمع والكلام؛ فتغير مسار حياتها بأكمله، ليكون لها موعد مع العزلة داخل ورشة والدها الفنية، تقلد حسه العميق في الرسم، أما هو فكان يشجعها على صقل موهبتها وتطويرها.

بدأت خيوط اكتشاف موهبة "كريمة" من إعجاب أسرتها وكل من يأتي بيتهم برسوماتها، تقول لصحيفة "فلسطين": "بعد اكتشاف موهبتي بدأت ألح على أسرتي بتطوير موهبتي والبحث عن فنانين تشكيليين، فبادرت شقيقتي الكبرى بمساعدتي، إذ سجلتني في ورشة الفن التشكيلي بالمندوبية الثقافية، وبعد ذلك تواصلت مع جمعية طنجة للفنون التشكيلة التي تضم أساتذة الفن التشكيلي الذين مدوا لي يد العون وساعدوني على صقل موهبتي".

تحب "كريمة" أن ترسم كل ما هو جميل وتركز على مواضيع المرأة العربية، خاصة المرأة المغربية، تضيف: "الفن التشكيلي يمثل لي عشقًا لن ينتهي لا اختيارًا، عشقته لأنه خلق لي عالمًا جميلًا وكسر عزلتي".

وتتحدى "كريمة" الصمت بريشة لا تهدأ وتعدها لسانها الذي يعجز عن التعبير، تقول: "مزج الألوان عشقي؛ فهي لساني الذي يعجز عن التعبير، وبريشتي أستطيع التعبير عن مشاعري وحبي لفلسطين الذي لن ينتهي".

الحب المغربي المقدس لفلسطين تراه كريمة كعلاقة الماء في الأرض والسماء بالكون، فمن أسرتها تعرفت إلى القضية الفلسطينية من طريق الحديث والنقاشات التي تدور في بيتهم الصغير، ومتابعتها القنوات الإخبارية، والعاملين على تجريم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب الندوات، والتظاهرات، والأمسيات الشعرية، والمعارض الفنية التشكيلية التي تسلط الأضواء الفنية والأدبية على قضية فلسطين الأم وحق العودة.

وعن أسباب رسمها لوحات عن فلسطين، تشير إلى تأثرها بثقافة الأسرة التي تعد قضية فلسطين وجدانية وجزءًا أصيلًا من الثقافة المغاربية.

وتتحدث "كريمة" عن تواصلها مع فنانين، وصحفيين، وكتاب جعلوا قضية فلسطين قضيتهم الأولى، إضافة إلى انضمامها إلى جمعية البيت العربي التي تعنى بالقضية الفلسطينية بمدينة طنجة، وتضم رجال القانون، وكتابًا وشعراء وفنانين.

وتركز "كريمة" في رسوماتها الناطقة بحب فلسطين على المسجد الأقصى المبارك، وصمود الشعب الفلسطينيـ، والأمل القادم بإذن الله، كما تؤكد.

وتضيف: "على مر التاريخ تجذرت فلسطين في وجداننا، وأشهد أن الشعب الفلسطيني الأبي من أحب الشعوب إلى قلوبنا، أبهرنا بقوة إيمانه وصموده في وجه المحتل المعتدي".

وتستكمل حديثها: "المغاربة قاطبة ضد التطبيع الذي لن يفيد الفلسطينيين ولا الدولة المغربية، فالشعب المغربي بمختلف مكوناته يرفض التطبيع وينادي بوقفه".

وتلفت إلى أن العديد من الفنانين المغاربة ينادون بقطع العلاقة مع الاحتلال، ويظهرون مواقف جريئة في الوقفات الاحتجاجية المنددة بالتطبيع، ويطلقون وسومًا موحدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ورسومات الكاريكاتور، ويشاركون في أمسيات وتظاهرات داعمة لفلسطين.

وشاركت "كريمة" في عدة معارض ومهرجانات ولقاءات فنية، كالمهرجان الدولي الرابع للفنون التشكيلية 2015- 2016 الذي مثل لها حدثًا كبيرًا في مسيرتها الفنية، حيث التقت العديد من الفنانين الذين ساعدوها على صقل موهبتها، وتعرفت إلى العديد من عشاق الفن التشكيلي، أيضًا حصلت على جوائز وشواهد في مهرجانات فنية وتشكيلية ونسائية شاركت فيها.

وعدم قدرة كريمة على متابعة دراستها بسبب فقدان السمع كان أكبر التحديات التي واجهتها، إذ لم تتمكن من تعلم اللغات الأساسية التي تساعدها على التواصل مع المهتمين والمعجبين بلوحاتها، خاصة من خارج المغرب، إضافة إلى غياب برامج ومؤسسات تهتم بالشباب الصم وتؤمن لهم مستقبلهم.

ولكريمة طموحات لا حدود لها، إذ تتوق إلى استرجاع حاسة السمع كي تسمع أصوات من حولها، وزيارة فلسطين والتقاء فلسطينيين على أرض بلادهم، والصلاة في المسجد الأقصى، إلى جانب تنظيم معرض خاص خارج المغرب.