فلسطين أون لاين

تقرير عن شباب غزة وحلم السفر وأمنيات كبَّلها الحصار وأرهقها الواقع

...
صورة أرشيفية
غزة/ هدى الدلو:

بعدما أحيا العالم في الثاني عشر من آب/ أغسطس اليوم العالمي للشباب، طرقت تلك الفئة في قطاع غزة جدران أحلامهم المحكوم عليها بوقف التنفيذ بفعل الأوضاع القائمة في منطقة معيشتهم، يطوفون بين الصور وفيديوهات تطبيقات التواصل الاجتماعي وتأسره أمنيات السفر والترحال.

وتتمنى بدور شعشاعة أن تتاح لها الفرصة في السفر إلى الضفة الغربية أكثر من الذهاب إلى أي مكان آخر، "وعند التفكير بالسفر من قطاع غزة تحضر مفردات المشقة والمأساة، وتذوب كل معاني التجربة الجميلة كما سمعت من تجارب العديد من الأصدقاء والأقارب".

وشعشاعة (31 عامًا) خريجة خدمة اجتماعية ولم يسبق لها أن غادرت أسوار غزة، مشيرة إلى حاجة الشباب إلى السفر الذي هو أشبه بحلم يتمنون خوضه للاحتكاك بتجارب وثقافات مختلفة، "لكن واقع الانتقال من غزة وتكاليفه أكبر من قدرات الشباب الذين بالكاد يجدون عملًا اليوم".

وتوضح أن الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات طويلة ترك ظلاله القاتمة على طموحات الشباب الغزيين الذين باتوا يرون في صور المغامرات والتجارب المعروضة على تطبيقات التواصل الاجتماعي فرصة للتفريغ النفسي يكتفي معها بالابتسام أو القهقهة أمام شاشة هاتفه المحمول.

معانٍ مختلطة

وإذ يعرف الشاب محمد ضاهر عن الأمنية ذاتها إلى أي دولة في العالم فإنه يرى أن صعوبة التنقل بفعل الأحوال الاقتصادية يجعل الشباب ينظرون بسلبية إلى الحياة.

ويجيد ضاهر (21 عاما) الرسم والسفر إلى جمهورية داغستان وهو حلم يتمنى تحقيقه في أقرب وقت ممكن، إذ تأسره تضاريسها وأسلوب الحياة فيها كدولة إسلامية، ولديه معرفة كبيرة بالقوانين والعادات والتقاليد، وأنظمتهم الخاصة في استقبال الضيوف.

ويضيف: "لدي الكثير من الأسئلة عن هذه البلاد التي أود معرفة إجابتها، وأعمل حاليًا على تعلم لغتها ذاتيًا، ليتمكن من التعامل معهم وافتتاح مشروع خاص بي هناك".

أما الشاب صالح أحمد (29 عامًا) خريج وسائط متعددة وتصميم جرافيك، فيعجز عن وصف معنى السفر بالنسبة له إذا ما كان حلمًا أو هدفًا أو حبًا لخوض تجربة لم يعهدها من قبل.

يقول: "صراحة شعوري كشاب أعيش في غزة وفي ظل حصار وحروب فالأمر شبه متداخل بين أحلام كثيرة وكبيرة أريد تحقيقها".

ويلفت إلى أن السفر يحضر في حديث الشباب الغزي كملاذ للهرب من واقع مر وصعب جدًا، حيث دمر الحصار طموحات شباب لديهم طاقة هائلة وقادرون على دعم وطنهم والنهوض به لأرقى المستويات، "ورغم ذلك لا يزال فينا الأمل... حبائلهم وإن قطعت فحبل الله مفتول".

بعيدًا عن الحرب

أما الشابة بسمة المشهراوي (24 عامًا)، كاتبة فلسطينية من غزة، وخريجة بكالوريوس لغة عربية، فترى السفر رحلة استكشاف، ومتعة، ومغامرة، وفائدة، وتعارفا، وتحقيق مآرب من عمل وتعليم وغير ذلك، هو حلم كبير يطمح إليه الكثير.

وتضيف: "لا يوجد بلد معين أرغب بالسفر إليه بعينه، ولكن في حال عزمت السفر فأتمنى أن أسافر إلى بلادٍ آمنة من الحروب، تتوافر فيها فرص العمل والحياة الكريمة، واجهتها الفن والحضارة، وتقدِّر المواهب".

وتبين المشهراوي أنه لطالما كان الحصار عائقًا كبيرًا يحول بينها وبين تحقيق أحلامها وطموحاتها، فقد أثَّر بشكل سلبي للغاية على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياسية، وقد طال السفر كذلك.

وتسرد تجربتها التي خاضت غمارها عندما دعيت إلى الأردن لحضور حفل توقيع رواياتها، ولأنها من غزة المحاصرة فلم يكن تلبية الدعوة بالأمر السهل، حيث عانت شهورًا من الرفض والمعاناة والحواجز، "ولكم أن تجربوا كيف لورقة تافهة أن تحكم مصير إنسان، شعور القهر بأن تُعَاقَب بهويتك! حتى حققتُ أخيرًا ما كنتُ أصبو إليه، ووصلت إلى عمان بعد انتهاء الحفل بأسابيع".

وتنبه المشهراوي إلى أنه لا يزال الحصار يشكّل هاجسًا كبيرًا أمام المرضى والشباب وأصحاب المواهب والحالمين والمبدعين، أمرٌ كارثي أن تكون طائرًا حالمًا يُبتَر جناحاك ظلمًا بذنب فلسطينيتك.

فوائد للمجربين فقط

ومن جهته تحدث استشاري الصحة النفسية د. إبراهيم التوم أن للسفر متعة وفوائد كثيرة لا يعلمها ولا يشعر بها إلا من خاض التجربة، ففيها يتم التعارف على شعوب وبقاع جديدة، ومعرفة عادات وتقاليد ولغات ولهجات مختلفة، واكتساب مهارات ومعلومات وخبرات، والاستفادة من تجارب الدول والشعوب، والتمييز بين الإيجابيات والسلبيات التي تميز الشعوب والدول، ونقل ما توصلت إليه الدول في كل ما هو جديد في عالم التعليم والتعلم والتدريب.

وبالنسبة للأثر النفسي للسفر فيوضح أنه فرصة للاعتماد على النفس، وزيادة الثقة وتوكيد الذات، وتغيير نظرة الشباب للحياة، وزيادة وتنوع الاتجاهات والأفكار والمعارف، وتنمية وتعزيز التفكير العقلاني لدى الشباب، إضافة إلى تطوير المهارات الشخصية لدى الشباب في مختلف المجالات..

ويلفت التوم إلى أن له أهمية في رفع مستوع الوعي والتفكير، واكتساب عادات وسلوكيات جديدة، والشعور بالراحة والاستجمام، وزيادة مستوي الأمل والطموح، وزيادة الشغف في البحث عن كل ما هو جديد للاستفادة والمتعة، والصلابة والمرونة النفسية، وتفريغ الطاقات السلبية واكتساب طاقات إيجابية، وتغيير النظرة للمستقبل، وزيادة مستوى التفاؤل والشعور بالسعادة والإنجاز.