شكلت جنين ومخيمها ملاحم بطولية على مدار تاريخنا الوطني، منذ العشرينيات من القرن الماضي.
وتشهد أحراش يعبد القسام كيف قاومت جنين الاحتلال البريطاني، منذ هبة البراق، ومعارك الكر والفر وسقوط العشرات من ضباط وجنود جيش الإمبراطورية الإنجليزية، وقطعان العصابات الصهيونية قبل قرن من الزمان.
جنين التي ودعت ثلة من أعز بنيها، وقد أعلنت الإضراب العام حدادًا على دماء زكية عمدت السهل والجبل ولم تزل.
يقول الكاتب الصهيوني إيهود حمو: "إن شهداء جنين لهم الصورة نفسها، والحمض النووي ذاته، وإلا فلماذا يتطلب كل اقتحام للجيش أعدادًا مختلفة، وخسائر أكبر؟!".
لقد استخدم الأبطال الأربعة غزارة نيران غير مسبوقة، واستخدموا أسلحة متنوعة وقناصات، وكان ميدان المعركة ممتدًا بدءًا من سبعين مترًا حتى أكثر من كيلومتر، ناوروا والتفوا على مستعربي العدو، وكان قرارهم صد هذا العدوان السافر الغادر، حتى لو كان ثمن ذلك الشهادة، وكان لهم ما أرادوا، أليسوا رجال "جنين غراد" الذين سجلوا في سفر المجد الفلسطيني عام 2002 صفحات مضيئة حولت مخيم جنين إلى بقعة حرة محرمة على العدو؟! ولماذا يقتحم جيش الاحتلال مستعملًا مستعربيه لا جيشه وآلياته، وقد تكرر ذلك مرات عديدة؟!
جنين التي قدمت منذ شهرين أيضًا قمرين من منتسبي الاستخبارات العسكرية، آثرا أن يمحوا عار التعاون الأمني لسلطة تؤدي دور كلاب الأثر لعدو غازٍ كولونيالي مجرم.
إن سلطة مقاطعة عار أوسلو شريك كامل في هذا السقوط الآسن للمرة المليون في التقاسم الوظيفي للولوغ في دماء هؤلاء المقاومين البواسل، فهل كان ممكنًا لهؤلاء المستعربين الوصول إلى نقطة متقدمة من المدينة دون معلومات ورصد وكلاب أثر؟!
وهل كان يجرؤ جيش السفاحين على الدخول بسياراتهم المدينة وبكامل أسلحتهم، دون ظهير ينقل لهم أولًا بأول تفاصيل المشهد الدموي؟!
لقد قالت صحيفة "معاريف" إن العملية الأمنية الصهيونية كانت تهدف لاعتقال ناشط من حركة حماس، وكان لها ذلك، ولقد كان ذلك بتعاون كامل مع أجهزة عباس الأمنية، هذا التعاون الذي تقدسه تلك العصابات وهو جوهر عقيدتها الأمنية، ونماذج ذلك أكثر من أن تحصى، وآخرها جريمة الاغتيال المنهجية المنظمة للناشط نزار بنات.
يقول الإعلام العبري إن جنين "تزداد هياجًا" (معاريف)، وإن الضفة الفلسطينية المحتلة أضحت برميل بارود (جيروزاليم بوست)، وإن السيطرة على الضفة المحتلة ليست بأكثر من أضغاث أحلام (يديعوت أحرونوت).
هذه هي الحقيقية التي يعلمها عباس وفريقه، وهي التي دفعت الرئيس الأمريكي جو بايدن للإعلان إبان معارك "سيف القدس" المجيدة أن عباس هو معيار "الشرعية الفلسطينية"، مع أنه طالب عباس قبل ذلك بأسابيع بإجراء الانتخابات لأن شرعيته تآكلت وانتهت.
ولهذا ألغى وزير خارجيته برنامجه لأسبوع كامل لزيارة مقاطعة رام الله لترميم صورة عباس المتهالكة، والزيارة الأخيرة لرؤساء الأجهزة الأمنية في كل من واشنطن ولندن إلى نظرائهم في رام الله و(تل أبيب) لتنسيق المواقف، والعمل دون كلل لحصار انتفاضة الضفة التي بدأت مسيرتها التضحوية العارمة في بيتا وبيت دجن ونعلين وجنين وعصرة وبيت لحم وكفر قدوم وقلقيلية وطوباس، والعديد من المدن والقرى والمخيمات.
اليوم بعد أكثر من سبعة وعشرين عامًا سلطة حركة فتح للتعاون الأمني تتابع تآمرها على كل ما هو وطني، بعد أن سمسرت على كل الثوابت الوطنية، وتستمر سادرة في غيها لتعزيز وتعميق تعاونها وتآمرها مع العدو وحلفائه، كل ذلك يستحث قوى المقاومة الحية على أن تعلن عزل وحصار وإسقاط حصان طروادة، وتطهير القلعة الفلسطينية، وتوحيد الصف والشعب الذي خرج إلى الشارع ينادي بسقوط هذا النظام الأوسلوي، وردع وكف مخاطره التي تطال كل ما هو وطني، يطالب قواه بالإعلان دون مواربة موقفها الفعلي، حتى لا ننتظر نصف قرن آخر ونحن نجرب المجرب، وننادي عباس وسلطته بإلغاء اتفاق أوسلو، ووقف التعاون الأمني، والعودة لحضن الشعب.
فهل يمكن للشيطان أن يصبح مؤمنًا ورِعًا يُعد العدة لأداء العمرة؟!