منذ توقيع اتفاق السلام بين حركة طالبان الأفغانية من جانب والولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الأفغانية من جانب آخر في نهاية فبراير/2020م، والبدء في خطوات تنفيذه قبل أيام عبر توفير المناخ والبيئة المناسبين اللذين يعيدان الأمن والاستقرار والازدهار، ويسهلان من عملية انسحاب القوات الأمريكية وحلفائها من أفغانستان، تظهر الآن التساؤلات المركزية: ما الدوافع الحقيقية التي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية لاتخاذ قرار الانسحاب؟ وما انعكاسات الخطوة على مكانة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط؟ وما الدروس المستفادة فلسطينياً؟
أولاً: دوافع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان:
لا يمكن أن نفصل قرار انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان عن التحولات التي يشهدها النظام الدولي لا سيما حالة التنافس بين الصين والولايات المتحدة التي تشير العديد من التقديرات الإستراتيجية إلى أن الصين بحد أقصى في عام 2028 م سيكون اقتصادها الأول على العالم، ومع انطلاق العمل الفعلي بمشروع الحزام والطريق (طريق الحرير) الذي يمر بأكثر من مائة دولة، منها أفغانستان التي تربطه بآسيا الوسطى، فقد يكون الدافع الأكبر للانسحاب الأمريكي هو صفقة مع طالبان تقضي برفض مرور المشروع من أفغانستان مقابل الانسحاب وتسليم السلطة والحكم، وبذلك إفشال أكبر مشروع إستراتيجي يشكل التهديد الإستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة عبر التحول المحتمل لشكل النظام الدولي من أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى ثنائي أو متعدد الأقطاب تكون الصين قطباً رئيساً في صناعة السياسة الدولية وإدارة المصالح الإستراتيجية. فالوجود الأمريكي في الشرق الأوسط ومناطق أخرى أرهق الدولة الأمريكية مادياً وبشرياً، وحسب تقرير لمعهد واتسون تقدر خسائر الولايات المتحدة الأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/2001م وحتى الآن بحوالي 4.6 تريليون دولار، و7 آلاف قتيل، و54 ألف جريح.
أيضاً تراجع الاهتمام الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط عموماً، ومنها أفغانستان يعود إلى عدم احتياج الولايات المتحدة للنفط بعد الاكتشافات الكبيرة للنفط الصخري بالولايات المتحدة وحجم الاحتياطي العالمي للنفط لدى الولايات المتحدة، وتغير الأولويات تجاه آسيا الوسطى بدل الشرق الأوسط.
ثانياً: انعكاسات الخطوة على مكانة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط:
العديد من نظريات العلاقات الدولية كانت تشير إلى أن التحالفات تُبنى وفقا للمصالح، ولا يوجد حليف دائم، وأن القوة هي المحدد الأكبر في صناعة التوازنات الدولية. واضح أن ذلك لدى بعض الأطراف كان تنظيراً، ولكن بعد قرار الولايات المتحدة التخلي عن حليفها في أفغانستان بهذه الطريقة أصبح الانعكاس الأكبر يتمثل في أن الولايات المتحدة ليست حليفاً صادقاً لأصدقائها وحلفائها، وهذا سيكون له أثر على المستوى القريب والبعيد في مكانتها الدولية عامة، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
ثالثاً: الدروس المستفادة فلسطينياً:
أتوقف هنا عند مقولة الرئيس الراحل ياسر عرفات في الأمم المتحدة: “جئتكم أحمل غصن الزيتون في يدي، وبندقية الثائر في يدي الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”. هذه المقولة هي ترجمة السلوك النضالي للشعب الفلسطيني على مدار تاريخه، وهي تحاكي كل تجارب حركات التحرر في التاريخ المعاصر من فيتنام إلى الجزائر إلى جنوب إفريقيا، والقائمة تطول.
بعد استشهاد ياسر عرفات وتقلد محمود عباس مقاليد الحكم دخلت تجربة التفاوض الفلسطينية مرحلة جديدة قائمة على مبدأين: رفض العسكرة، والتنسيق الأمني مقدس، وقد ساهم في زيادة الاستيطان والتهويد والحصار، ثم جاء الانقسام ليضعف الحالة الوطنية الفلسطينية؛ انقسام داخل حركة فتح نفسها، وانقسام بين فتح وحماس، كل ذلك ساهم في إضعاف الحالة الوطنية، في المقابل أمامنا تجربة جديرة بالاهتمام من زاوية أن هذه الحركة فاوضت وسلاحها في يدها، وعدوها تحت الضغط، وأصرت على أن يكون كبير مفاوضيها من معتقلي غوانتنامو.