فلسطين أون لاين

تقرير الشهيدان "صالح وأمجد" من جنين.. رفيقان في الدنيا والشهادة

...
صورة أرشيفية للشهداء الأربعة صالح ورائد وأمجد ونور
جنين- غزة/ نور الدين صالح:

عندما صدحت تكبيرات أذان فجر الاثنين، كان مخيم جنين على موعد مع اقتحام غادر لقوات الاحتلال التي ترافقها قوات خاصة "مستعربون" وآخرون من القناصة، من أجل اعتقال أحد الشبان هناك، إذ بالشاب صالح عمار ابن التاسعة عشرة ربيعًا هبّ لمتابعة تفاصيل الحادثة.

تسللت القوات الخاصة الإسرائيلية إلى حارات المخيم، فاعتلت أسطح العمارات العالية هناك، وأخذت ترصد أي تحركات لمواطنين فلسطينيين، لارتكاب مجازر ضدهم، مرّت لحظات قليلة حتى تصاعدت أصوات قوات الاحتلال الذين أرادوا اعتقال الشاب.

لم يهدأ بال "صالح" بعد سماع تلك الأصوات، فقد راح متوجها نحو باب منزله، أخذ يلمح في عينيه يَمنة ويسرة، فأراد الاقتراب أكثر، وتقدّم خطوة تلو الأخرى، لكنه لم يعلم أن "المستعربين" كانوا يتربصون لهم من فوق إحدى العمارات العالية.

أطلق أحد عناصر القناصة في وحدة "المستعربين"، رصاصته الثقيلة من عيار "250"، لتستقر في رأس "صالح" الذي كان يعمل بائعاً على "بسطة فلافل" وترديه شهيداً على الفور، حسب ما يروي والده أحمد لصحيفة "فلسطين".

لم تكن تعلم عائلة "عمار" أن أصوات الرصاصات التي خرجت على بُعد أمتار من منزلهم، اخترقت أحدها جسد ابنهم، مرّت نصف ساعة تقريباً، حتى وصل الخبر للعائلة بأن "صالح" شهيد.

كـ "الصاعقة" وصل الخبر للعائلة، فهرعوا نحو باب المنزل "بلا وعي"، فـ "صالح" هو الابن الثاني لوالديه فقط، يردد والده المكلوم "فقد الولد فاجعة، ولكن عزاءنا أن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون (...) لله ما أخذ ولله ما أعطى".

وبقلب يجثم عليه القهر يقصُّ: "ليس هناك تبرير لجرائم الاحتلال، فقد دخل المنطقة المعروفة باسم (أ) ويحمل معه الحقد والقتل لأبناء مخيم جنين".

ويقول: إن "الاحتلال يحاول تضخيم الأحداث في مخيم جنين منذ شهرين، ويتهمها بأنها بؤرة الإرهاب وهو يريد اجتثاثه".

في خضم المعركة، اندفع الشاب أمجد حسينية (20 عاماً) نحو جثمان صديقه الشهيد "صالح"، محاولاً إنقاذه من خلال سحبه إلى منطقة آمنة بعيدة عن زخات الرصاصات المتبادلة من قوات المستعربين.

لكن قناصًا آخر، كان يترقب تحركاته فأخرج رصاصة من فوهة بندقيته الثقيلة فاستقرت في قدمه، ثم أتبعها بواحدة أخرى، لتستقر في رأسه، ليسقط إلى جانب "صالح" شهيداً، حسب ما يحكي والده إياد حسينية لصحيفة "فلسطين".

مرت دقائق قليلة حتى تعالت أصوات سيارات الإسعاف التي جاءت لنقل الشهداء والمصابين، لكن الاحتلال لم يكتفِ عند جريمة القتل فحسب، بل احتجز جثماني شهيدين من الشهداء الأربعة، وكان الشهيد "أمجد" أحد الجثامين المحتجزة.

ويقصّ الوالد المكلوم: "بعدما ارتكبت قوات الاحتلال جريمتها بحق أمجد، أبلغت الارتباط الفلسطيني بأنها لا تريد إعلان اسمه، بزعم عدم التعرف على هويته نتيجة إصابته بالوجه"، مستدركاً: "لكن شهودًا عيانًا رووا للعائلة بأن الرصاص استقر في بطن أمجد وليس في وجهه".

ويفسّر حسينية ذلك "بأن الاحتلال سحب أمجد وهو مصاب ثم أعدمه بدم بارد"، لافتاً إلى أن تسمية أمجد بهذا الاسم تيمناً باسم عمه الشهيد.

يصمت قليلاً ثم يعاود لينقب عن صفات فلذة كبده: "أمجد شخصية محبوبة واجتماعية ومتفوق في تعليمه، من المدرسة وحتى الجامعة في تخصص المحاسبة المستوى الثالث".

ويطالب حسينية المؤسسات الحقوقية والسلطة بالضغط على الاحتلال من أجل تسليم جثمان "أمجد"، معتبراً أن احتجاز الجثمان "جريمة أخرى تضاف إلى القتل والتصفية.

وشدد على أن "هذه سياسة جديدة ينتهجها الاحتلال، بهدف النيل من المقاومة ومعنويات الشباب، كجزء من العقاب الجماعي"، مستدركاً: "رغم أن الاحتلال جرب كل الأساليب، فإن شعبنا مصمم على الحرية والخلاص من الاحتلال، مهما كلف الثمن".

وختم حسينية حديثه: "من حقنا أن نتسلم جثامين أولادنا، وندفنهم في المقابر الفلسطينية".