تأبى جنين إلا أن تُسطِّر لشعبنا الفلسطيني الصامد صفحة جديدة من صفحات العز والفخار، وتترجم ذلك عملياً بتقديم خيرة شبابها شهداء في أثناء التصدي لجنود الاحتلال ووحدات مستعربيه، الذين ظنوا أن استباحة جنين تشبه التجوّل في شوارع "تل أبيب"، فكان الاشتباك المسلح الذي خاضه 4 أبطال من شباب جنين بكل جرأة وعنفوان، بالرغم من انعدام الإمكانات العسكرية بسبب الحصار الصهيوني المشدد لمدن الضفة المحتلة، وفي ظل بيئة أمنية معادية للعمل المقاوم ترعاها سلطة التنسيق والتخابر الأمني مع العدو، ليرتقي الأبطال الأربعة شهداء مخضبين بدمائهم الطاهرة بعد أن رفضوا الاستسلام وقرروا القتال حتى النَفَس الأخير.
أما على الصعيد الشعبي والجماهيري فما زالت جنين بفصائلها المجاهدة وعائلاتها الثائرة ومخيماتها الصابرة تحتضن أبناءها المقاومين وتدفع بهم إلى ساحات الشرف والكرامة، لمقارعة جنود الاحتلال وتدفيعه ثمن احتلاله وضريبة عدوانه، وهي اليوم تتقدم خطوط المواجهة مع الاحتلال الصهيوني إلى جانب أخواتها من محافظات الضفة التي تأبى التدجين والتطويع؛ لتعطي نموذجاً فريداً ودرساً جديداً أن الشعب الفلسطيني الحر لا يمكن أن يستسلم أو يستكين، وأنه يرفض التعايش مع واقع الاحتلال أو الخضوع لسياسة السلطة التي تصر على إعفاء العدو تكلفة احتلاله، وتعمل على حرمان شعبنا من ممارسة حقه المشروع في المقاومة لانتزاع قراره وسيادته.
ضفة العياش وطوالبة والكرمي لم تتوقف يوماً عن المقاومة بكل أشكالها وصورها، فمنذ انطلاق شرارة انتفاضة الأقصى مروراً بانتفاضة القدس وما قبل ذلك وبعده والضفة تجود بأبطالها وثوراها وتثخن في العدو القتل والجراح، وتضربه من حيث لا يحتسب، وفي الوقت الذي لا يتوقع، لكنها –أي الضفة– بحاجة إلى اعتماد استراتيجية واضحة ومباشرة، للانتقال من مرحلة العمل المقاوِم العفوي والموسمي إلى مرحلة المواجهة الشاملة والمفتوحة، لإرهاق العدو واستنزافه ورفع الكلفة البشرية والمادية لاحتلاله، حتى يستقر في ذهن قادته وجبهته الداخلية أنه لا مقام لهم في أرضنا وأن تكلفة بقائهم أعظم بكثير من تكلفة رحيلهم.
شعبنا الفلسطيني اليوم بات على يقين أن جميع الحلول السلمية والانهزامية التي يُسوِّقها أرباب التنسيق والتخابر مع العدو فشلت في إعطائه الحد الأدنى من حقوقه وكرامته، وأن مؤسسة السلطة في رام الله كيان وظيفي يخدم مصالح العدو، وهي لا تستطيع حماية مقراتها الأمنية والشرطية، فضلاً عن حماية شعبنا والدفاع عن حقوقه، لذلك على الجماهير الفلسطينية في الضفة المحتلة أن تأخذ زمام المبادرة وتجهّز نفسها لمرحلة جديدة من المواجهة الشاملة مع العدو، وأن تعمل على توفير بيئة حاضنة للمقاومة لضرب العدو في خاصرته الرخوة، وبالتأكيد ستجد من غزة والقدس والداخل وقفة مسؤولة وشجاعة لإسناد هبتها وثورتها العارمة، فزمن استفراد العدو بالساحات كلٌ على حدة قد ولى من غير رجعة، وهذا ما أكدته معركة سيف القدس التي فرضت فيها المقاومة معادلة "القدس-غزة".