لم يكن اندحار الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة قبل 16 عامًا، حدثًا عابرًا في تاريخ الشعب الفلسطيني وصراعه مع هذا الكيان الذي يجثم على أرض فلسطين منذ نكبة 1948، بل شكَّل مسارًا آخر للمقاومة الفلسطينية التي لا تكل ولا تمل من تطوير قدراتها لمعركة التحرير الكبرى.
وفي 15 أغسطس/ آب 2005، بدأت قوات الاحتلال الانسحاب من 21 مستوطنة في قطاع غزة، كانت تحتل نحو 35% من مساحة القطاع الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلو مترًا مربعًا، وذلك تحت تأثير ضربات المقاومة خاصة ما عُرف بـ"حرب الأنفاق" التي استهدفت في السنتين اللتين سبقتا الانسحاب مواقع حصينة لجيشه في القطاع.
وقد حققت المقاومة منذ ذلك اليوم إنجازات مهمة وتطورات عسكرية كبيرة، وقد بدا ذلك جليًّا في العدوانات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة بدءًا من عام 2008 وصولًا لمعركة "سيف القدس" في مايو/ أيار الماضي، التي جابت فيها صواريخ المقاومة كل فلسطين المحتلة.
الباحث في الشأن العسكري والأمني رامي أبو زبيدة، قال: إن اندحار الاحتلال من قطاع غزة جاء نتيجة الفعل المقاوم والضربات التي كانت تسددها المقاومة، خاصة عمليات الأنفاق في فترة ما قبل الانسحاب.
وفي حديثه لصحيفة "فلسطين"، أوضح أبو زبيدة أن ضربات المقاومة وعمليات اقتحام المستوطنات أجبرت الاحتلال ومستوطنيه على الاندحار من قطاع غزة، مشيرًا إلى أن استمرار المقاومة بتطوير قدراتها عقب انسحاب الاحتلال كان له أثر كبير لما وصلت إليه الآن، إذ إنها تمكنت من بناء قدراتها العسكرية في مختلف المجالات وتشكيل خلايا بما يشبه الجيوش النظامية.
وأضاف أن المقاومة اهتمت بتطوير قدراتها خاصة بعد كل عدوان واسع على القطاع، بدءًا من عدوان 2008، ثم عدوان 2012، ثم معركة "العصف المأكول" عام 2014 التي امتدت 51 يومًا هزت فيها المقاومة أركان الاحتلال، واستطاعت اقتحام قواعده العسكرية من "مسافة صفر"، وصولًا لمعركة "سيف القدس" التي ضربت فيها جبهة الاحتلال الداخلية في كل فلسطين المحتلة.
وأضاف: "بفضل صمود المقاومة وما تراكمه من إنجازات بعد اندحار الاحتلال، بتنا اليوم أمام مقاومة لها إمكانات ومنظومة متكاملة في العمل العسكري"، لافتًا إلى أنها تتعلم الدروس من كل عدوان، وتعلم نقاط ضعف الاحتلال وتعمل على ضربها.
وأشار إلى أن المقاومة تواصل تطويرها العسكري وتتجه نحو الأفضل، إذ إنها اعتادت مفاجأة الشعب الفلسطيني في كل عدوان، وخير دليل على ذلك ضربها العمق الإسرائيلي في المعركة الأخيرة.
ضرب الجبهة الداخلية
ويتفق مع ذلك المختص في الشأن الأمني رفيق أبو هاني، إذ عدَّ الاندحار الإسرائيلي من قطاع غزة جسد مرحلة من مراحل الصراع مع الاحتلال نتيجة ضغط المقاومة، وأبرزها عمليات "براكين الغضب" التي أبدعت فيها بتفجير المواقع الإسرائيلية.
وبيّن أبو هاني في حديثه لـ"فلسطين" أن المقاومة جسَّدت بضغطها على الاحتلال أن "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة"، مؤكدًا أنها السبيل الأنجح للتخلص من الاحتلال "لذلك يجب تعزيز دورها".
وأضاف أن المقاومة أثبتت نجاحها في التصدي للاحتلال على مدار السنوات الماضية، إذ إنها استطاعت تطوير قدراتها العسكرية، وضرب جبهة الاحتلال الداخلية بعدما أصبحت صواريخها تضرب كل فلسطين المحتلة.
وأكد أن المقاومة استطاعت فرضت معادلات وقواعد اشتباك جديدة مع الاحتلال، عبر تطوير الأسلحة المتواصل وتراكم قوتها، فهي تتمدد شيئًا فشيئًا وصولًا للقضاء على الاحتلال وتحرير الأرض.
وبيَّن أن المقاومة أصبحت ناضجة وتفهم اللغة التي تحاور فيها الاحتلال وتجعله يتخبط في كيفية التعامل معها.