فلسطين أون لاين

تقرير المقدسي خضر.. الاحتلال يمحو ذكريات 67 عامًا بهدم منزله

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ نور الدين صالح:

تهاوت حجارة المنزل واحدًا تلو الآخر، بعدما غرس "الباقر" -آلة الهدم- الذي أحضرته عائلة خضر المقدسية أنيابه في أعلى سقف في العمارة المكونة من خمسة طوابق، وكأنه يزيل الذكريات المحفورة لدى أفراد العائلة منذ أكثر من 67 عاماً.

في مشهد لم يتحمل المُسن عبد الله خضر (70 عاماً) رؤيته، واصلت آلة الهدم اقتلاع كل ممتلكات البيت بأيدي مالكيه، وكأن "شقاء العُمر" يضيع أمام ساكنيه في غضون لحظات، حينها تجمعت الدموع حول عينيه اللتين برقتا ثم سال ماؤهما على خديه، يبكي بصمت، و"ليس بيده حيلة".

رفعت آلة الهدم أنيابها ثانية لتغرزها هذه المرة في الطوابق السفلية، واحدا تلو الآخر، وفي كل مرة تضرب أوصال المنزل كانت تشق قلب المقدسي "خضر" من "بيت حنينا"، حتى تصلَّبَ نظره وتشنج جسده واجتاحته "جلطة دماغية" وهو يرى حلمه الذي بناه في سنوات طويلة وحفر ذكرياته في كل حجرٍ فيه يُسوَّى بالأرض.

تحدّثت صحيفة "فلسطين" إلى المسن "خضر" الذي لم تهدأ حالته الصحية، وما زالت مشاهد الهدم تجثم داخل قلبه، فقد بات غير قادر على الحديث، وينهار بالبكاء عند أي سؤال يتعلق بمنزله الذي ذهبت معه كل ذكرياته الممتدة منذ عام 1954.

ما يزيد وجع "خضر" أن هذه الحادثة ليست الأولى، فقد أعاد بناء بيته عام 2001 بعدما دمرته آليات الهدم الإسرائيلية، تحت مزاعم أن ملكيته للاحتلال.

ومن ذلك التاريخ تلاحق محكمة الاحتلال عائلة "خضر" بزعم أن ملكية البيت لليهود، واستمرت جلسات المحاكم خلال تلك السنوات على الرغم من امتلاكه كل الأوراق الثبوتية بملكيته المنزل، حتى خسر "خضر" القضية، وأقرّت محكمة الظلم الإسرائيلية قبل شهر تسليم المنزل للمستوطنين.

وأعطت محكمة الاحتلال العائلة مهلة 20 يوماً لإخلاء المنزل المقام على أرض تبلغ مساحتها 850 مترا مربعا، التي انتهت الخميس الماضي، لكن هذا لم يرق لعائلة "خضر" المكونة من 25 شخصاً، فقد كان قرارها "الهدم الذاتي" وعدم تسليمه للمستوطنين.

بالكاد تخرج الكلمات من حنجرته التي تعطّلت على أثر "الجلطة الدماغية"، "كان القرار صادماً للعائلة، وقدمنا استئنافا للقرار لكن دون نتيجة، ولا اهتمام بوضعي الصحي "المتردي".

يحاول أن يقوى على ظروفه الصحية الصعبة: "مستحيل أن أسلم منزلي الذي تربيت فيه منذ طفولتي، وكبرت معه أحلامي وذكرياتي، بكل سهولة إلى المستوطنين"، ثم يردد: "سنبقى رافعين رؤوسنا على الرغم من هدمه، وإن شاء المولى سنُعيد بناءه".

يختم حديثه: "كرامتنا فوق كل شيء، وسنبقى هنا في أرضنا صامدين، ولن نخرج إلا بجثثنا، ولن نسمح أن يدوسها أي مستوطن مجرم، لو يعطوني الجنة مش رح أترك بيتي للمستوطنين، هذا بيتي هون ولدوا أولادي وأحفادي... بموت في البيت ولا بطلع منه".