تواصل السلطة في رام الله خنق "الحريات العامة" وحملات الاعتقال السياسي التي تزداد شراسة يومًا بعد آخر رغم الهبوط الحاد في شعبيتها بين أوساط المواطنين.
وبدلًا من أن تتجه السلطة لتصحيح مسارها السياسي تجدها تتخذ مسارًا أكثر حدة تجاه أي صوت يعارضها أو ينتقدها ليطال الأمر مواطنين خارج حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ليكون المواطن بين مطرقة الاحتلال الإسرائيلي وسندان السلطة.
"تهمة غزة"
التضامن مع غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، أضحى بالنسبة للسلطة تهمة ألقت في إثرها 25 شابًّا من قرية عوريف قضاء نابلس في غياهب سجونها دون أن يلوح في الأفق أمل للإفراج عنهم.
ولتبرير اعتقالها لهؤلاء الشباب ادّعت السلطة أنهم قاموا بأعمال تخريب في أثناء معركة "سيف القدس" فيما يؤكد ذووهم أن تهمتهم المشاركة في مسيرات تضامنية مع غزة، معربين عن خشيتهم من أن يستلموهم جثثًا كما حدث مع الناشط السياسي نزار بنات الذي اغتالته السلطة في الرابع والعشرين من يونيو الماضي.
ويساور القلق عائشة شحادة والدة المعتقل السياسي عواد شحادة (22 عاما) خشية على مصير نجلها المعيل لأسرتها لكون والده مريضًا.
وقالت عائشة: 86 يومًا مضت على هؤلاء الشباب في سجون السلطة دون أي أمل في الإفراج عنهم.
وأشارت إلى أنها حصلت على وعود من أحد الوسطاء، الأسبوع الماضي، بأنه سيتم الإفراج عن عواد والمعتقلين معه "فتهيأنا لاستقبالهم لكن لم نحصد سوى خيبة الأمل".
وذكرت الأم أن نجلها ليس له أي نشاطات سياسي وأن "التهم التي وجهت له سياسية" وهذه المرة الأول التي يتم اعتقاله فيها في سجون السلطة.
ونبهت إلى أنه "حتى الآن لم يستطع المحامي أن يحقق شيئًا في موضوع اعتقاله".
وأشارت عائشة إلى أن ابنها تعرّض للتعذيب، حيث اختفى 13 يومًا متواصلة في سجون السلطة دون أن تعرف مصيره.
وأضافت: "كنا نتصل بسجن أريحا يقولون لنا: في سجن نابلس.. وسجن نابلس يقولون لنا: في سجن عصيدة وهكذا".
كما يساور القلق ذاته أم أحمد صباح والدة المعتقل السياسي أمين صباح، خشية على حياة نجلها الذي تؤكد أنه لم يرتكب جرمًا يستدعي اعتقاله والزج به في سجون السلطة كل هذه المدة دون محاكمة ودون أمل بالإفراج عنه حتى اللحظة.
وقالت أم أحمد: إن أجهزة السلطة اعتقلت نجلها بعد أسبوعين من اعتقال شباب القرية، وهو مريض لا يتحمل البقاء في السجن كل هذه المدة.
وأضافت: "طرقنا كل الأبواب للإفراج عنه دون فائدة.. كل ما يقوله لنا المحامي والوسطاء: أن علينا الصبر لكن إلى متى لا نعرف؟!".
من جهته، أوضح رئيس تجمّع الشخصيات المستقلة بالضفة خليل عساف أن كل إجراءات السلطة الأخيرة بخصوص الحريات تثبت أن هناك توجهًا رسميًّا ومخططًا لتحويل الأوضاع لـ"حالة بوليسية" متناسية وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس التطهير العرقي في الضفة.
وقال عساف: "كأنهم يتناسون أن القضية أكبر من قضية معارض هنا أو ناقد هناك، فهم يواصلون الاعتقال السياسي الذي قتل الروح الوطنية في نفوس الشباب.. يجب أن يكون هناك سيادة للقانون".
وأضاف: "يبدو أن هناك متنفذين في السلطة يريدون عمل امبراطورية خاصة بهم على حساب حقوق الناس بما يتنافى مع القانون الأساسي والقيم الأخلاقية والوطنية وفرض وقائع تخدم مصلحتهم الشخصية".
وأكد أن الاعتقال السياسي لم يتوقف لحظة بل أصبح يأخذ أبعادًا أكثر حدة وسوء، تتحمله السلطة والفصائل المشاركة معها في الحكم التي هي شريكة في جريمة الاعتقال السياسي.
وشدد عساف على أن المطلوب هو "صوت قوي وعالٍ من القوى والفصائل والشخصيات المؤثرة والجهات القانونية" ولا سيما أن الاعتقالات أضحت لا تشمل فقط المنتمين لـ"حماس" والجهاد" بل من مختلف الفصائل وعامة المواطنين.
وتابع: "وصلنا إلى حالة مجهولة لا أفهم ماذا تريده السلطة وهي تمضي في هذه التصرفات وتخسر أبناء شعبها وتدمر مجتمعها، دون أن تستجيب لنصائح العقلاء الذين يريدون مصلحة أبناء شعبهم".
وقرأ عساف رسائل السلطة القمعية بمثابة رسائل تخويف وتهديد من السلطة للشعب وفصائله: بألا يطالبوا بأي انتخابات ديمقراطية.
وأكد عساف أن هذا الوضع غير الديمقراطي يفقدنا قيمتنا أمام العالم خاصة الدول التي تقدم للسلطة مساعدات مالية.