قائمة الموقع

​سلامٌ على سهركِ قبل السحور

2017-06-06T08:17:06+03:00
رحمة وصابرين ورضا وإسلام مصلح

لعله ليس من المألوف أن يبكي رجلٌ على زوجته بعد رحيلها بسنواتٍ بهذه الحرقة، لكني فعلت، لقد بكيتُ واحترقت، ولعله من العجيب أن ينجب منها ثلاثة عشر ما بين بنات وبنين، ويبقى دفء الحب بينهما صادقًا وطازجًا ولا يفتر بمرور الأيام.

إلى نِتاجي أنا وأمكم، نتاج "أحمد وسناء"، إلى أبنائي الأحباء، هذه الحكاية: مرت ثلاثُ سنوات من رمضان علينا كنت كلما نظرتُ إلى السماء رأيت الهلال كسيرًا، لأن يد أمكم التي كانت تربت على الحزن لم تعد هنا، لأن عينيها اللتين تمنحان الأمل أغمضتا إلى الأبد، لأن صوتها الذي كان يجبرنا على الابتسامة في أحلك الظروف انقطعت أحباله.

وقبل السنوات الثلاث الأخيرة مررنا بخمسة رمضانات: في ثلاث منها رافقتُها للعلاج بمصر، أما الرمضانان الأخيران من حياتها فقد كانا قطعة من العذاب بسبب مرض سرطان الذي أعياها، وألهب أرواحنا.

حسنًا، لن أطيل الحديث في الأحزان، كانت أمكم دائمًا تعطي الشهر صبغة خاصة، أتذكرون سُفرة الإفطار العامرة التي طالما تفنَّنت في صنعها؟، وكم أحبت إعداد الوجبات التي تحتاج لوقتٍ وجهد لأنها تحب أن تلبي رغبات الجميع، لا أعرف كيف يمكن للمفتول ألا يزول طعمه من فمي، حتى رائحة "المقلوبة" الطيبة من تحت يديها مختلفة.

كانت تفضل أن تسهر الليل بطوله خشية أن تغفو عيناها فيفوتكم تناول وجبة السحور، كل الأمهات مضحياتٌ حتى في أصغر التفاصيل.

مع دخولكم الصف الأول الابتدائي بدأتم تصومون رمضان كاملًا، وحين يأتيها أحدكم شاكيًا: "يمّا "جعت" أو "عطشت" تحاول أن تشد من أزره بقولها: "معلش اصبر، تحمّل عشان تدخل الجنة، وربنا ينجحك"، كانت تركزّ كثيرًا على تحقيق الأهداف التربوية الإسلامية خلال الشهر الفضيل.

صحيح أن بيتنا مُزدحم، لكنها كانت تحب التعبد على انفراد، وأكثر ما تحرص عليه ختم القرآن الكريم كاملًا، في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل كانت تتضاعف الأعباء عليها؛ فهي إلى جانب انشغالها بأمور البيت تصطحب في كل يوم اثنين أو ثلاثة منكم إلى السوق بحثًا عن ملابس للعيد، كي تكونوا "زينة الحارة".

وكلما جلسنا معًا في باحة البيت تذكرت إعدادها لكعك العيد، كانت تصنعه بمفردها وأنت تتحلقون حولها، كل واحد منكم يمسك بقطعة عجين يشكّلها كيفما أراد، كانت تترك لكم حرية اللعب والشعور بالسعادة وهي منهمكة بتجهيز كمّيات كبيرة منه، كانت تخصص حِصةً منه لأمي وأخواتي، وتسير في عطائها على مبدأ: "كلّه بثوابه".

أتذكر ابتسامتها وهي تخفف عني حرج ضيق ذات اليد في رمضان، فأظهر ميلًا إلى تأجيل زيارة أخواتي، حينها كانت تدفعني إلى زيارتهن، وفق وجهة نظر قدرتها فيها: "أختك لن تلومك لأنك زرتها بلا هدية، بل هي متشوقة إلى رؤية أخيها في بيتها يهنئها بالشهر الفضيل ويتفقد أحوالها فيه".

أما آخر "رَمَضانين" من عمرها فكانا جمرًا يلهبنا، فقدنا فيهما أسباب تميز الشهر، كانت خلالهما لا تغادر السرير، أقوم أنا على كل شؤون البيت حتى إعداد الطعام، دون أن أستغني عن توجيهاتها.

كلما أردتم أن تعرفوا المزيد عن هذه السيدة الجميلة أمكنكم أن تجلسوا إلى جانب عمّتكم "أم غسان"، وهي تردد دائمًا: "سناء ابنة عمّي، ولأن عائلتها في الأردن كانت تقول لأمي: "أنتم أهلي"، إنها صديقتي المقرّبة، التي اعتادت أن تجذبني بأسلوبها كـ"مغناطيس" إلى بيتكم باستمرار، تكفيني ابتسامتها العريضة عند رؤيتي، وصدى صوتها يتردد في البيت وهي تقول: "أهلًا وسهلًا أم غسان"، وكم هي "حاتميةٌ" في كرمها واحترامها للضيف.

إن غبت عنها أيامًا قليلة تتصل بي لتستعجل زيارتي، وإن اعتذرت عن الزيارة لأي سبب؛ كانت ترسل أحدكم ليأخذني من بيتي إلى بيتكم، وكان هذا الإلحاح يزيد في رمضان، لم تكن دعواتها لتناول الإفطار في بيتها عادية، وإنما كانت بمنزلة "قرار نهائي"، تتصل بي لتخبرني: "فطورك اليوم عنا، ابني طارق جاي ياخدك"، هذا فضلًا عن الوليمة التي تعدها للعائلة الكبيرة، أمكم حقًّا إنسانة مختلفة لا تتكرر".

اخبار ذات صلة