مع إشراقة صباح كل يوم تتسلل أشعة الشمس عبر نافذة ولاء الرفاعي، لتوقظها من نومها، تُصدم في كل مرة بغياب زوجها القسري عن منزله في مخيم المغازي وسط قطاع غزة.
ففي 25 يناير/كانون الثاني الماضي انقلبت حياة ولاء رأسًا على عقب، بعدما اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي زوجها "ولاء الرفاعي" في أثناء مرافقته إياها عبر حاجز بيت حانون (إيريز) شمالي قطاع غزة لعلاجها من مرض سرطان الدماغ.
ومنذ سنوات طويلة حوَّل الاحتلال حاجز (إيريز) من منفذ للعالم الخارجي إلى مصيدة للمواطنين المحاصرين في قطاع منذ نحو 15 عامًا، فباتت احتياجاتهم للسفر من أجل العلاج أو التعليم أو تلبية متطلبات حياتهم الأساسية خاضعة للابتزاز، دون إعارة الحقوق الإنسانية أو الاتفاقات والمواثيق الدولية أي اهتمام.
رحلة علاج
وتظهر علامات القلق والتوتر على وجه ولاء خلال تجهيزها الأوراق الطبية المطلوبة لاستكمال رحلة علاجها في مستشفيات الداخل المحتل، لكن هذه المرة دون مرافق رغم حاجتها الماسة إليه، لكيلا يكون فريسة لمصيدة الاعتقال الإسرائيلي.
وتستغرب ولاء المصابة بالسرطان أسباب اعتقال زوجها، مشيرة إلى أنه لم يرتكب أي مخالفة وفق مفهوم الاحتلال، إذ إنه حصل على موافقة إسرائيلية لمرافقتها بعد رفض السماح لوالديها برعايتها خلال السفر، بحجج "المنع الأمني".
وأصيبت "ولاء" الأم لثلاثة أطفال بانتكاسة طبية بعد اعتقال زوجها، وألقى ذلك بظلال سلبية على نفسيتها التي انشغلت بالتفكير فيه وفي أسباب اعتقاله، وكيف يتعامل الاحتلال معه خلف القضبان الحديدية.
وتعود بذاكرتها إلى الوراء لتقول: إنه بمجرد وصولها وزوجها إلى حاجز (إيريز) أوقفهما جنود الاحتلال، وسمحوا لها بالمرور والوصول إلى المستشفى، لكنهم اعتقلوا زوجها.
وتعد هذه المرة الأولى التي يرافق "الرفاعي" زوجته في رحلة علاجها في مستشفيات الداخل المحتل، لكنها كانت الأخيرة وفق قولها، إذ غيبته سجون الاحتلال "بتهم ومزاعم باطلة لا أساس لها من الصحة".
وبحسب زعم الادعاء العسكري للاحتلال، فإن لائحة الاتهام تتضمن سبعة تهم للرفاعي، من بينها الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي، وتشكيله خطرًا على أمن الاحتلال وخاصة خلال العدوان على غزة عام 2014، والتخطيط لعمليات ضد أهداف إسرائيلية، والمشاركة وأطفاله في مسيرات العودة شرقي المحافظة الوسطى، وقد تم الحكم عليه بالسجن 8 أعوام، خفضت لعامين ونصف.
وتشير ولاء إلى أن زوجها يعمل خياطًا، نافية جميع تهم الاحتلال التي وجهت إليه، معتبرة اعتقاله انتقامًا من أهالي قطاع غزة ولتضييق الخناق عليهم.
وتخشى ولاء على حياة زوجها المعتقل في سجن "نفحة" الصحراوي من جرائم قوات القمع الإسرائيلية، وعدم السماح بزيارته والاطلاع على أوضاعه وظروف اعتقاله.
وتزداد الأيام صعوبة يومًا بعد الآخر على عائلة الرفاعي التي تنظر تحرر وحيدها من خلف القضبان، لا سيما وأن ولاء ستغادر القطاع لاستكمال رحلة علاجها، تاركة أطفالها في بيت جدهم حتى عودتها من السفر.
قيود إسرائيلية
من جهته، يؤكد مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فضل المزيني، أن سلطات الاحتلال تحرم آلاف المرضى بقطاع غزة من تلقي العلاج في الخارج، بسبب القيود التي تفرضها على تنقلهم ومرافقيهم عبر حاجز (إيريز).
ويقول المزيني لصحيفة "فلسطين": إن الاحتلال يرفض سفر عدد كبير من المرضى لأسباب يدعي أنها "أمنية"، إلى جانب المماطلة في الرد على طلباتهم، وإخضاع المرضى للتحقيق والاستجواب رغم تردّي أوضاعهم الصحية، علمًا أنهم يعانون أمراضًا خطِرة، عدا عن اعتقال المرضى ومرافقيهم، وإعادتهم إلى القطاع وحرمانهم العلاج.
ولفت إلى أن تلك القيود تلقي بظلال سلبية على صحة المرضى وتعرضهم لخطر الموت، مبينًا أنه منذ بداية جائحة كورونا لا تسمح سلطات الاحتلال إلا بتحويل المرضى الذين يعانون مشاكل صحية خطِرة.
وبيّن أن مرضى غزة يضطرون إلى العلاج في الخارج لعدم توفر إمكانية علاجهم في مستشفيات القطاع، وعدم مقدرة العديد من الأقسام تلبية احتياجاتهم من جراء عدم توفير الأدوية والمستهلكات الطبية والأجهزة المستخدمة في العمل.
وأشار إلى عرقلة الاحتلال سفر 400 مريض في يونيو/حزيران الماضي، و299 مريضًا في يوليو/ تموز الماضي.