في نموذج فريد تستمر بلدة "بيتا" قضاء نابلس في ملحمة اشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي حتى دحر الاستيطان عن "جبل صبيح" كاملًا، لتتحول مقاومتها الشعبية لمصدر إلهام لغيرها من القرى والبلدات في الضفة الغربية التي تعاني هي الأخرى غول الاستيطان الذي ينهش أراضيها نهشًا متسارعًا.
ويشهد محيط جبل صبيح، للشهر الرابع على التوالي، فعاليات واسعة من الاحتجاجات السلمية الشعبية بمشاركة آلاف الفلسطينيين من "بيتا" والمناطق القريبة منها.
التحام جماهيري
الناشط الشبابي في "بيتا" نسيم معلا يصف المشهد في البلدة بأنه التحام جماهيري تحت علم فلسطين، الأمر الذي مكَّن أهلها من الصمود في معركتهم لما يزيد على مئة عام بسبب التكاتف الاجتماعي القوي.
وقال معلا لصحيفة "فلسطين": "في بيتا لم يغب أحدٌ عن المواجهة، فعدا وحدات المواجهة الشعبية التي شكلها الشباب فإن النساء يرفدنهم بالطعام والشراب".
وعدَّ المواجهة في "بيتا" بأنها ليست وليدة اللحظة بل هي امتداد للانتفاضة الأولى عام 1987.
وعبر عن اعتقاده بأن نجاح أهل البلدة في إطالة أمد المعركة يشكل ضغطًا كبيرًا على الاحتلال كون الأهالي يقاومون طوال 24 ساعة دون كلل أو ملل.
وتابع: "حتى إن مقاومة بيتا نجحت في الضغط على الاحتلال لتسليم جثمان الشهيد شادي الشرفا "المقررة اليوم" فهذا التسليم ليس كرمًا منه بل هو استسلام لإرادة بيتا".
ولن يتوقف المقاومون في "بيتا" حتى إخلاء جنود الاحتلال بالكامل عن الجبل وليس فقط المستوطنين، إذ إن استمرار وجود الجنود على الجبل يعني أن المستوطنين قد يعودون في أي لحظة، وفقًا لـ"معلا".
وأضاف: المطلوب هو إزالة البرجين العسكريين اللذين أقامهما الاحتلال على الجبل، وكرفانات المستوطنين ورفع علم فلسطين فوقه.
ورغم ارتقاء ستة شهداء من البلدة وعشرات الإصابات، فإن معنويات أهلها مرتفعة حتى الجرحى منهم مصممون على العودة للميدان بمجرد الشفاء، وحتى صغار السن يوزعون المياه على المقاومين على الجبل.
وتابع معلا: لقد نجحت تجربة بيتا وعُمِّمت على قرى "بيت دجن" و"تياسير" التي تشهد حاليًّا مواجهة شرسة لم تشهدها في تاريخها.
وبين أن نموذج المقاومة الشعبية كـ"حراس الجبل" تمددت لـ"كفر قدوم"، معتبرًا أن انتقال هذا النموذج لبقية مناطق الضفة ينبئ بانتفاضة كبيرة.
ضغط عسكري
و يؤكد الناشط في "بيتا" عمار الزهير أن نموذج بيتا انتقل لـ"حوارة" وكفر قليل وبلاطة وغيرها من المناطق، لذلك فإن الاحتلال يزيد الضغط العسكري عليها لتحجيم تجربتها.
وقال: "صمود بيتا حتى الآن لم يتوقعه أحد رغم الكثير من التضحيات التي قدمها أهلها، ورغم ذلك فهم مصممون على التضحية حتى إزالة البؤرة الاستيطانية بالكامل".
وأشار إلى أن جيش وحكومة الاحتلال لذلك يرفضون الانسحاب من "بيتا" خوفًا من انتقال تجربتها لمناطق أوسع بالضفة.
وقال: "هم يدركون أنهم خسروا المعركة منذ البداية لكنهم يرفضون الاعتراف بالهزيمة".
ويمارس الاحتلال سياسة اعتقالات مكثفة بحق شباب البلدة ليثنيهم عن المشاركة في المقاومة الشعبية، يقول الزهير: "لكنهم يخرجون من المعتقل أكثر إصرارًا وعزيمة، ولا هدف أمامهم سوى عودة جبل صبيح لما قبل ثلاثة أشهر".
فـ"بيتا" عنوان للمقاومة منذ عهد الاحتلال البريطاني وحاول الاحتلال الإسرائيلي مرارًا بناء مستوطنات على أراضيها لكنه فشل، لكون أهلها يدًا واحدة وعلى قلب رجل واحد في مقاومة الاحتلال، كما يؤكد الزهير.