فلسطين أون لاين

اختلفت الملامح وتفاوتت الدرجات

التوائم الستة.. "خلية نحل" تنافست داخل البيت الواحد وحصدت ثمار "الخطة الجماعية"

...
تصوير/ رمضان الأغا
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بعضُ الأحداثِ تبدو غريبةً في تفاصيلها، كتفوقِ ستة أشقاء توائم بالثانوية العامة، هنا لم تكن وحدها ملامحهم المختلفة، أيضًا معدلاتهم التي توزعت معظمها في مساحة الامتياز، منة الله، وياسر، ومحمد، وآية، ومريم، ويوسف، توائم ستة تفوقوا وتنافسوا داخل البيت الواحد وهم أبناء مجدي الخطيب من مخيم البريج وسط قطاع غزة، كانوا كخلية "نحل"، تعاركوا مع الكتبِ والورق، وكان همهم إسعاد والديهم وإدخال الفرحة الكبرى عليهما.

قبيل إعلان النتائج وقفَ الجميع في لحظةٍ مصيريةٍ، والدهم الذي أحاطهم بذراعيه طوال اثني عشرَ عامًا ينتظرُ قطف ثمرة تعبه، وحصاد زرع زوجته، كانت دموع التوتر تترقرق في عيني منة الله، بعضهم حبسها داخل قلبه، ربتت الأم على كتفي ابنتها تعانقها، وتنظرُ مشدوهةً لشاشة الهاتف المحمول، قلب محمد يدق بسرعة، ولأول مرة تشعر آية برجفة تجتاح قلبها، ويحبسُ ياسر أنفاسه، ويوسف ومريم يدوران مع عقارب الساعة، حتى انهالت النتائج دفعةً واحدةً على هاتف والدهم.

وقفَ الأب المكنى بـ "أبي يوسف" مثل مدير مدرسةٍ يسلمُ الطلبة الدرجات، ابتسامته الواسعة والضحكة التي تلمع في عينيه كانتا كفيلتين باختصار ما يعيشه من فرحةٍ، ينادي على رقم الجلوس الأول لصاحبة أعلى معدل اعتلته منة الله، فحصلت على 98% بالفرع العلمي، وتلاها ياسر الذي حصل على معدل 96.9% بالفرع نفسه، ومحمد بمعدل 95.1% بالفرع نفسه، وفي القائمة نفسها آية بمعدل 92.7% بالفرع العلمي، أما مريم فحصلت على 81.9% بالفرع الأدبي، وشقيقها يوسف 77.6% بالفرع ذاته.

دوت الفرحة في قلوبهم، وأطلقت الأم زغاريدَ الفرحة، وقدمت العائلةُ والجيران ليقدِّموا التهاني والتبريكات، أخيرًا هدأت مخاوف "أم يوسف" بعدما رأت ثمرة تعبها في تربيتهم طوال سنوات.

فرحة تشييد البيت الجديد والتفوق

مخيم البريج، الساعة تطرق الرابعة عصرًا، لحظة وصولنا إلى منزل العائلة التي استقبلتنا بحفاوة في منزلها المشيد حديثًا، لتكون فرحة تشييد المنزل الجديد ممزوجة بفرحة النجاح والتفوق بالتوجيهي.

توزع التوائم الستة على مقاعد صالة استقبال الضيوف، ومن خلفهم تلمح باقات ورودٍ مقدمة لتهنئتهم بالتفوق، تحتارُ مع من تبدأ الحديث، فاخترتُ أن يلف جهاز التسجيل الذي تحمله صحيفة "فلسطين" حسب ترتيب جلوسهم من الجهة اليمنى، التي يجلس في بدايتها محمد، الذي أزاح الستار عن مشاعرهم قبل ليلة إعلان النتائج قائلا: "غمرنا التوتر والقلق ولم نستطع النوم في الليلة السابقة، فجهزنا البيت لاستقبال الضيوف لأننا متوقعون النجاح والتفوق حتى وصلت إلينا النتائج".

محمد الذي يفكر في دراسة البرمجيات، مرَّ بفترةٍ صعبة كأشقائه وعاشَ سنةً دراسيةً تملؤها الصعوبات يتوقف عند أصعبه: "ولا اشي قريت في العدوان الأخير، كله توتر وقصف، بكونش عقلك بالقراءة".

بقربه يجلسُ يوسف، يخطط لدراسة تكنولوجيا المعلومات، يدخلنا في قلب تفاصيل أصعب ما واجهه خلال التوجيهي "عانينا التعليم الإلكتروني في بداية السنة، خاصة أن مخيم البريج صُنِّف منطقة حمراء بسبب انتشار فيروس كورونا لمدة شهرين، ثم عدنا للدوام الجزئي ثلاثة أيام أسبوعيًا، وهذا ما حتم علينا التعاون مع إخوتي، وكنت أذهب لمحمد وآية للاستفسار عن مواد التربية الإسلامية واللغتين الإنجليزية والعربية".

الخطةُ الجماعية لـ "خلية النحل" اكتملت حلقاتها في آخر شهرين، أما في بداية العام فكل واحد من التوائم الستة كان يدرسُ منفصلاً لكن "لا يبخل على إخوته بأي معلومة تنقصه إن طرق بابه"، ياسر الذي يميل لدراسة البرمجيات يتحدث عن ذلك: "كنت في البداية أدرسُ منفصلا وحدي، ثم بدأنا نتشاركُ في الأسئلة".

تطير ضحكةٌ من صوته: "صراحة أنا كنت مقصرا وقت التعليم الإلكتروني، بس بآخر شهرين شديت الهمة، لما بدينا نقدم الامتحانات التجريبي وحسيت أنه قربت الامتحانات".

لم يخلُ الأمر من المنافسة، أحبالُ آية الصوتية تتحركُ هنا كقطار ينطلق لمحطةٍ أخرى: "المنافسةُ بيننا قائمة منذ سنوات، لكنها زادت في التوجيهي لكونها سنة مصيرية، وكل واحد فينا يريد دخول التخصص الذي يحلم به (..) منافستنا شريفة إيجابية، نراقبُ من ينهي دروسه أولًا أو باكرًا وهذا ما يحفزنا".

تزيحُ آية التي تخطط لدراسة طب الأسنان الستار عن خطتهم: "بدأت خلال الامتحانات التجريبية في آخر شهرين، واعتمدت إنهاء عدد محدد من المواد ومن سيكون الأول في إنهائها بيننا".

من أكثر إخوتك كان يعطيك الأمل في لحظة يأسك؟ قفزت ضحكة من بين شفتيها سبقت إجابتها تشيحُ بنظرها نحو اليسار باتجاه ياسر الذي يجاورها الجلوس "هو (ياسر) كان يعطيني الأمل، وكنت أغار منه وأحاول تقليده بسبب مثابرته".

ضغط ووصفة تفوق

"من أصعب ما وجهناه خلال الدراسة الضغط، وهذا ما زاد من توترنا خاصة في آخر السنة الدراسية" تنتهي آية من الحديث، ثم ينتقل الحديث بعدها إلى مريم التي تحرك مشاهد الفرحة التي عاشتها العائلة بعفوية "الحمد لله كانت فرحة كبيرة وانبسطنا بها، أنه نجحنا وجبنا علامات حلوة ترضينا وترضي والدينا".

طوال سنواتهم الدراسية، كان الأشقاء يدرسون في صفٍ واحدٍ في الابتدائية، ثم البنات في صف واحد منفصل عن مدرسة أشقائهم الذين أيضًا كانوا يدرسون بصفٍ واحد بالإعدادية، وكانوا دائمًا يلفتون انتباه مدرسيهم ليس لأنهم توائم، بل لأنهم متفوقون وبمستويات متقاربة.

تلمع عينا منة الله التي اعتلت تفوق الأشقاء بمعدل 98%، وتُحفر مراسم الفرح داخل ملامح وجهها في حين يتولى صوتها التعبير عن سر تفوقها: "كنت أتابع الدروس أولا بأول ولا أتركها تتراكم لليوم الثاني، قويت نفسي قبل السنة الدراسية باللغة الإنجليزية، وأنا وإخوتي كنا نراجع المادة التي كانت تنقصنا المعلومات فيها، دائمًا كنت ألجأ لياسر لنحل الأسئلة مع بعضنا أو لوالدتي فهي مدرسة رياضيات".

تتسابق عبارات الفرح على مدخل فمها: "الحمد لله كانت فرحة حلوة، والآن طموحي أن أدرس الطب البشري".

قدم التوائم الستة في لحظة فارقة، فقد اجتهدت والدتهم في تربيتهم، فقبل إبصارهم الحياة أخبرها الأطباء أنهم قد لا يصلون إلى الدنيا جميعهم أحياء، "بعدما أكرمنا بستة توائم أحياء، صار تفكيرنا كيف نربيهم، خاصة أنه عيلتي وعيلة زوجي عايشين برا وما عندنا عائلة ممتدة، وكانت معاناة في تربيتهم، وقعدنا خمس سنين ما نطلعش إلا للضرورة".. انطلقت تلك الكلمات دفعة واحدة منها بعفوية.

الفرحة التي عاشتها لحظة إعلان النتائج تتحرك هنا: "جلست عشر دقائق لاستيعاب أن الله أكرمني بنجاحهم، فقد واجهنا معوقات عديدة بدءًا من الحرب وأزمة فيروس كورونا، فانتظرنا تخرجهم من الثانوية العامة على أساس أنها مرحلة مصيرية تحدد مستقبلهم".

"الحمد لله طلعوا نجاحين ودرجاتهم عالية".. هذا النجاح الذي تتحدث عنه أم يوسف، كانت لها بصمة فيه، فقد أسقطت تخصصها مدرسةَ رياضيات على تفوق أبنائها وتنمية ذكائهم منذ الصغر.

أما والدهم الذي يعمل محاسبًا، فينظرُ إضافة إلى الفرحة التي غمرته، إلى كيفية تلبية كل طموح أبنائه، خاصةً أن هناك بنتين جامعيتين تسبقان التوائم الستة إحداهما تدرس الطب البشري، وقد شيد البيت، ويحتار في تلبية مصاريفهم الجامعية.