أكد غسان بنات شقيق الناشط السياسي الشهيد "نزار" أن التحقيق في قضية اغتيال الأخير، متوقف حاليًّا بشكل أساسي ورئيس على ملف واحد يتعلق بـ"هاتف نزار بنات" الذي هو إحدى دلائل وبراهين جريمة الاغتيال.
وأوضح غسان لصحيفة "فلسطين"، أمس، أن هاتف الشهيد لا يزال بحوزة جهاز الأمن الوقائي ولم تتسلمه النيابة العسكرية ولا لجنة التحقيق (التي يقودها فاهد شلالدة) وترفضها العائلة.
ولفت إلى أن هاتف الشهيد ظل طوال يوم الخميس (يوم اغتياله) مفتوحًا، وفتحت عشرات الرسائل منه في تمام الساعة الخامسة وتسع دقائق صباحًا (في حين أن نزار استشهد الساعة الرابعة فجرًا).
وقال: أمهلنا النيابة العسكرية حتى الساعة الرابعة عصرًا من يوم الأربعاء القادم للتواصل مع شركات الاتصالات لتحديد موقع الهاتف والحصول على تقرير بالمكالمات الصادرة والواردة منه وغيره من المعلومات الضرورية.
وعدَّ غسان أن الهاتف هو المفتاح الرئيس لمعرفة من "كان يهدد نزار أو يتصل به من شخصيات السلطة"، متسائلًا: كيف تجري السلطة تحقيق دون الهاتف وقد صادر الأمن الوقائي هاتفين لنزار (أحدهما غير حديث) والآخر (الذي فيه شريحة للاتصال ومفتوح عليه حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي) وجهاز الحاسوب المحمول، متهمًا الأمن الوقائي بإخفاء الهاتف المذكور.
وأشار إلى أن فريق التحقيق التابع للسلطة ذهب الأحد لتسلم ملف التحقيق الذي شكله الفريق القانوني التابع للعائلة، لكن الأخيرة رفضت تسليمه دون تسلم الهاتف، مشترطًا وجود تحقيق متكامل لكي تتعاون العائلة مع فريق تحقيق السلطة.
وعدَّ صمت المتهمين الـ15 حتى الآن وعدم إدلائهم بأي معلومات بمنزلة رسالة لمن أعطاهم أمر الاغتيال "أنقذونا وإلا تكلمنا"، مؤكدًا أن عائلات المتهمين قدمت العزاء للعائلة مرتين: الأولى يوم استشهاد نزار بنات ووقفوا بجانب العائلة في أيام العزاء الثلاثة ثم عادوا لتقديم العزاء في يوم عيد الأضحى ومنهم من ذبح الأضاحي رحمة عن روح نزار.
ولفت إلى أن عائلة الهشلمون (أحد أبنائها مشاركين في جريمة الاغتيال) رسمت جدارية للشهيد بنات على جدار منزل (عم المتهم).
وقال غسان: لذلك نؤكد مجددًا أن هؤلاء المتهمين لا يمثلون عائلاتهم، ولم يأخذوا إذنها فهم أبناء جهاز الأمن الوقائي وعائلاتهم بريئة من "دم نزار ولا علاقة لها بذلك".
وجدد رفض عائلة بنات الانجرار لـ"المربع العشائري الذي تحاول السلطة جرنا إليه مع هذه العائلات".
الجلسات الثلاثة
وعن أسباب رفض العائلة للجنة تحقيق السلطة، قال غسان: اللجنة غير مهنية.
وأوضح أن اللجنة عقدت ثلاثة لقاءات الأول عقد في محافظة الخليل للقاء المحافظ جبريل البكري وحضره عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عباس زكي (الذي ليس لحضوره أي مبرر سواء زمانًا أو مكانًا الذي أخذ ثلاثين دقيقة من أصل 55 دقيقة) في أحاديث جانبية ورفض طلب طبيب العائلة للانفراد بالمحافظ فكانت نتيجة التحقيق "صفرًا".
وذكر أن اللقاء الثاني كان في مكتب قائد منطقة الخليل في جهاز الأمن الوطني العميد أركان حرب النجار بحضور مدير المخابرات محمد أبو داود ومدير الشرطة عبد اللطيف القدومي ومدير الأمن الوقائي محمد نزال ومدير جهاز الاستخبارات العقيد فضل خلاوي، ورفضوا طلب طبيب العائلة الانفراد بمدير الأمن وردوا عليه "نحن جسم واحد، قرار واحد" فانتهت الجلسة دون تحقيق.
ولفت إلى أن الجلسة الثالثة كانت في مقر رابطة الجامعيين عند عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد التميمي "لمدة أربعين دقيقة لم تفضِ لشيء لم يكن هناك أحد يمكن التحقيق معه ولم يحضره سوى الشهود، بناء على ذلك قررت العائلة سحب طبيبها من اللجنة".
وأكد غسان أن ملف التحقيق أضحى مكتملًا لديها -إذا لم تشكل السلطة لجنة تحقيق ضمن شروطها وطلباتها على أن تكون مهنية وقانونية محلية ودولية- سنغلق الملف محليًا وسنتوجه للمنظمات الدولية.
لا أفق حقوقي
واعتبر الحقوقي عصام عابدين التأخير في التحقيق بجريمة اغتيال نزار بنات ناتج عن التدهور الشامل في النظام السياسي الفلسطيني ومنظومة حقوق الإنسان التي تشهد انتكاسة حقيقية في الضفة الغربية.
وأرجع عابدين في حديثه لصحيفة "فلسطين" هذه الانتكاسة لازدراء الدستور والقانون وغياب ثقافة المسائلة والمحاسبة وهذا ناجم عن غياب التداول السلمي للسلطة.
وقال: "في ظل استمرار السطوة على السلطة بشكل غير دستوري وقانوني منذ سنوات وتعطيل المساءلة والمراقبة البرلمانية نحن ندور في حلقات مفرغة وأبعد ما نكون عن المساءلة والمحاسبة في الانتهاكات".
ودلل على ذلك بأن اللجنة التي شكلتها السلطة للتحقيق في اغتيال بنات منذ بدايتها انسحب أكثر من نصف أعضائها، قائلًا: "فالناس لم تعد تؤمن بهذه اللجان لأن الهدف منها فقط هو امتصاص غضب الناس والرهان على عامل الوقت".
وأشار إلى أن المفارقة الغريبة في قضية بنات أن منظومة العدالة التي من المفترض أن تحقق في الجرائم أصبحت أداة من أدوات النظام السياسي للتغطية على الجرائم.
وتابع عابدين: "لا أرى أملًا نهائيًّا في التأسيس لثقافة احترام القانون والمساءلة والمحاسبة إلا برحيل هذا النظام السياسي بالضغط نحو إجراء انتخابات شاملة.. وإلا فإن الأمور ستتدهور نحو المجهول".
وبيَّن أن السلطة لم تكتفِ بعدم التحقيق الجدي في موضوع الاغتيال بل قمعت المسيرات السلمية التي طالبت بتحقيق العدالة في اغتيال نزار، واستخدمت القوة المفرطة في ذلك.
وفيما يتعلق بالمسار الدولي لقضية اغتيال نزار، أكد عابدين أن المحكمة الدولية تختص بالمحاسبة ولا تسقط الجرائم التي تحاسب فيها بالتقادم ويمكنها أن تحقق مع قادة سياسيين وأمنيين حتى لو أحيلوا للتقاعد.
وقال: "أي معلومات موثوقة تصل للمحكمة الدولية سواء عبر منظمات حقوق الإنسان أو العائلة قد تدفعها للتحقيق في حادثة الاغتيال"، لافتًا إلى أن الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية قدمت تقارير حقوقية حول اغتيال بنات وغيره من انتهاكات السلطة لحقوق الإنسان.