قبل عشرين عامًا من الآن، وفي أثناء لقاء جمع الشيخان جمال سليم وجمال منصور، في مكتب إعلامي تابع لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، وصلت طائرة من طراز أباتشي ووجهت نيرانها عبر نوافذ المكتب ليستشهد الشيخان وستة آخرين منهم صبيان في العاشرة، تناثرت أشلاؤهم في المبنى.
ورغم مرور 20 عامًا على رحيل الشيخين إلا أن ذكراهما لا تزال باقية سيما وأنهم قدموا أغلى ما يملكون دفاعًا عن أرضهم ووطنهم، وحفاظًا على الأرض والإنسان والمقدسات.
جمال منصور
ولد الشيخ جمال منصور، في مخيم بلاطة للاجئين قرب مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة في 25 شباط/فبراير عام 1960، ودرس المرحلة الابتدائية في مدارس المخيم ثم التحق بمدارس نابلس، ودرس بجامعة النجاح الوطنية وتخرّج منها عام 1982 حاصلًا على شهادة البكالوريوس في المحاسبة والعلوم الإدارية، واستشهد قبل حصوله على شهادة الماجستير في العلوم السياسية.
تزوج الشهيد منصور، عام 1986، ورزق بخمسة أبناء وهم "ابتهال، وبيان، وبكر، وأمان، وبدر".
وأسس الشهيد في أثناء دراسته في جامعة النجاح الوطنية، والقول لزوجته حنان منصور، مع رفاقه الكتلة الإسلامية، كما أسس فرع نابلس للجنة الإغاثة الإسلامية وعمل مسؤولًا لها، وأسس مكتب نابلس للصحافة وأغلقته قوات الاحتلال بعد اعتقاله.
وافتتح منصور، مكتبًا للأبحاث أغلقته السلطة بعد اعتقاله في 4 نيسان/أبريل 1997، وأسس المركز الفلسطيني للدراسات والإعلام، وكان مديرًا له حـتى اسـتـشهاده خلال قصف المركز.
لم تترك قوات الاحتلال الإسرائيلي منصور، فاعتقلته أكثر من مرة لدفاعه عن شعبه وعن القدس والمسجد الأقصى المبارك، ولانتمائه لحركة حماس، فاعتقل وفق زوجته، ۳ مرات في أثناء دراسته في الجامعة لنشاطه في الكتلة الإسلامية، ودوره في العمل الإسلامي في مدينة نابلس.
وبلغ مجموع اعتقالات منصور، عند الاحتلال 9 أعوام ونصف العام، أمضاها متنقلًا في سجونها، في حين اعتقلته أجهزة أمن السلطة ثلاثة أشهر ونصف، "فكان يرى أن ما يمر من اعتقالات بسبب استقامته ودعوته وعمله الجهادي، فمات مدافعًا عن الأقصى والمقدسات"، والقول لزوجته.
صمود أسطوري
وطوال مدة اعتقال الشيخ منصور، لم تثبت ضده أي تهمة فكان جهاز "الشاباك" الإسرائيلي يلجأ دومًا لاعتقاله الإداري بعد كل جولة تحقيق لعدم تمكنها من الحصول على كلمة أو معلومة واحدة تدينه.
وأُبعد الشيخ منصور مع بعض قادة حركة حماس إلى منطقة مرج الزهور عام 1992، وترأس اللجنة الاعلامية هناك، ومكث في الإبعاد عامًا كاملًا وأعيد إلى سجون الاحتلال وقضى فيها 9 أشهر.
وتقول منى منصور: إنها عاشت 5 أعوام ونصف العام مع زوجها جمال من أصل 15 عامًا، قضاها متنقلًا بين سجون الاحتلال والسلطة والإبعاد، وكان قريبًا منها رغم غيابه".
وتصفه زوجته في حديث لصحيفة "فلسطين": بعقل فلسطين المفكر و"سيد قطب" فلسطين، وله شخصية كاريزمية مقبولة عند كل أطياف الشعب الفلسطيني وفصائله، وأمضى سنوات عمره في خدمة وطنه وأبناء شعبه، فكان يدعو الله عز وجل، أن ينال شهادة تنال بها جميع أعضاء جسمه حتى يلقى الله عز وجل، وهو على طريق القدس وتحريره".
"وكان منصور الذي استشهد عن عمر 41 عامًا، فريدًا من نوعه، والقول لزوجته، فحمل هم القضية والمجتمع وكان محبًا لشعبه وأسرته فكانت الابتسامة لا تفارق وجهه فلم يرد أحدًا لجأ إليه".
جمال سليم
أما الشيخ جمال سليم، فقد ولد في قرية الدامون قضاء عكا في 2 شباط/فبراير عام 1958، من سكان مخيم عين بيت الماء، وترعرع على التقوى والإيمان وحب المساجد والوطن.
واعتُقل سليم، ولم يتجاوز الـ 17 عامًا على يد قوات الاحتلال، لعامين وبعد تحرره أكمل دراسته في مدرسة الصلاحية فنال شهادة الثانوية وكان من المتفوقين وخصوصًا في مادة اللغة العربية التي عشقها فكتب الشعر والنثر والقول لزوجته حنان محمود.
ودرس سليم، في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" والتحق بالجامعة الأردنية بكلية الشريعة وأصول الدين وتتلمذ على أيدي علماء الفقه الإسلامي والتحق بجماعة الإخوان المسلمين وتربى على أفكارها.
تزوج سليم عام 1982، بعد خطبة استمرت ثلاثة أعوام أنهى خلالها دراسته الجامعية، وفق زوجته التي قالت لصحيفة "فلسطين": "تزامن تاريخ زواجنا مع مآسي أهلنا في لبنان فكان اجتياح لبنان، ومشاهد القتل والذبح تظهر أمام مرأى جميع وسائل الإعلام، فرفض الشيخ أن يكون هناك أي مظاهر للفرح لحزنه على أهلنا بلبنان"، وأكرمنا الله بستة أبناء وهم "مجاهد، وآيات، ومعتصم، وضحى وصالح، ومحمد".
وعمل سليم، وفق زوجته حنان محمود، بعد تخرجه خطيبًا في عدة قرى أولها "مردة، الباذان" فأعجب الناس كثيرًا بخطاباته المميزة وبأسلوبه البارع، وبعد عام أصبح مدرسًا في المدرسة الثانوية الإسلامية بنابلس.
وتكمل: "اعتقل زوجي، مرتين قبل إبعاده إلى مرج الزهور الأولى عام 1988 ومكث ٦ أشهر في سجن "النقب"، وكان الاعتقال الثاني عام 1990 ومكث في سجن جنين المركزي تسعة أشهر، ثم أبعد إلى مرج الزهور.
وتضيف، مستحضرة ذكريات زوجها: "كان الموت أهون عليه من الإبعاد عن أرضه ووطنه، والقول لزوجته، فصمد هناك وتحمَّل مرارة البعد عن الأهل والوطن، وأجبروا المحتل بصمودهم وثباتهم على العودة إلى وطنهم.
"وما إن عاد الشيخ سليم، إلى مسقط رأسه، اعتقلته قوات الاحتلال عام 1994 وأمضى ستة أشهر في سجن "النقب"، بحسب زوجته.
فارس الوحدة
امتاز الشيخ سليم، بقوته وحبه للجميع فكان يحب الرياضة وخاصة السباحة والجري وكمال الأجسام وكرة التنس، وشارك في سباقات على مستوى مدينة نابلس.
وتشير سليم، إلى أن زوجها امتاز بشخصيته المرحة ولم يثقل على أحد، فكان يدخل الفرح والسرور على كل من يرافقه، فكان يحس بآلام الناس وخصوصًا الفقراء والمساكين ويحاول مساعدتهم، ويقضي وقتًا كبيرًا في مساعدتهم وحل مشاكلهم.
ويعد الشهيد سليم، من أبرز مؤسسي وقادة حركة حماس، ويمتاز بالقوة والجرأة والصدق وبُعد النظر، وأسس الكثير من المؤسسات كرابطة علماء فلسطين وكان أمين سرها، ولجنة التوعية الإسلامية هو وأصحابه وكان أمين سرها، وكان من مؤسسي الكتلة الإسلامية للمعلمين ومنسق لجنة تنسيق الفصائل حيث ترأس اللجنة إلى أن استشهد.
لقب الشهيد سليم، بحسب زوجته، بفارس الوحدة الوطنية، وكان يكره النزاع والغربة وأمنيته أن يرى أبناء وطنه موحدين.
وقالت زوجته: "إن الشهيد سليم تابع دراسته والتحق بجامعة النجاح دراسات عليا في الفقه والشريعة، وألّف كتابًا عن أحكام الشهيد في الإسلام، حتى اختتم رسالة الماجستير بالشهادة".
وعن يوم استشهاده تقول سليم: "كنت وقتها أجلب بعض احتياجات أسرتي وعندما رأيت الناس يركضون باتجاه المركز الفلسطيني للدراسات والإعلام شعرت باستشهاد زوجي وأخبرت سلفتي التي كانت ترافقني باستشهاده".
وتختتم قائلة:" رحل الشيخ جمال المحب لوطنه وعائلته وكان نعم الزوج، يخفف عني حزني بسبب بعدي عن أهلي المقيمين في الأردن".