أكثر من عشرين مسلحًا اقتحموا المنزل الذي كان فيه الناشط السياسي نزار بنات بالمنطقة الجنوبية من الخليل، فجَّروا مدخله، ثم أحاطوا به وهو نائم وضربوه بهراوات من حديد على رأسه، ثم انهالوا عليه بأعقاب البنادق ورشوه بغاز الفلفل والمسيل للدموع وجردوه من ملابسه ثم سحلوه، وأعلن مقتله صبيحة 24 يونيو/ حزيران الماضي.
وأثارت جريمة الاغتيال إدانات واسعة من قبل الفصائل الفلسطينية ومنظمات حقوقية ودولية حتى دول الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض عبروا عن غضبهم من الجريمة السياسية.
وشعبيًّا هبت جماهير غاضبة في شوارع رام الله والخليل وبيت لحم للتعبير عن رفضها جريمة الاغتيال والمطالبة بمحاسبة المجرمين، لكن أمن السلطة قابل ذلك بالقمع والضرب واعتقال الحقوقيين والصحفيين والناشطين من كلا الجنسين عدا عن سحلهم في مشاهد تحاكي أدوات استخدمتها أنظمة استبدادية عربية في قمع الحريات.
لجنة وحيدة
التطور اللافت في القضية، حدث في التاسع والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي، حينما أعلن وزير العدل ورئيس لجنة التحقيق في قضية اغتيال نزار بنات محمد الشلالدة، بأن اللجنة أوصت بتحويل تقريرها للقضاء والجهات المختصة لأخذ المقتضى القانوني.
وقال الشلالدة، الذي يرأس لجنة التحقيق، في تصريح متلفز، إنه "تبين من خلال التقرير الطبي الأولي أن نزار بنات تعرض لعنف خارجي" دون أي معلومات تفصيلية حول مهمات المتهمين".
اللجنة المشكلة انسحبت منها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ونقابة المحامين لعدم "حيادية اللجنة"، كما انسحب ممثلون عن عائلة بنات لتكون السلطة المتهم في الاغتيال هي "الخصم والحكم"، وسط مطالبات حقوقية بتشكيل لجنة مستقلة.
مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في الأراضي الفلسطينية المحتلة عمر شاكر، قال في تصريح سابق لصحيفة "فلسطين": إن السلطة في رام الله غير جادة بالتحقيق في جريمة قتل الناشط السياسي نزار بنات، مؤكدًا أن المطلوب هو قيام المجتمع الدولي بفتح تحقيق مستقل في الجريمة.
إجراءات غير واضحة
وقال المختص في القوانين الإعلامية وحقوق الإنسان ماجد العاروري: إن الأمور غير واضحة فيما يتعلق بإجراءات التحقيق بقضية اغتيال بنات، يجب أن تكون هناك شفافية بالموضوع والإعلان عن سير المحاكمات والإجراءات المتخذة ومدد التوقيف ومتى سيتم تحويل ملفات المتهمين للمحكمة.
وأضاف العاروري لصحيفة "فلسطين": حتى اللحظة لا يوجد أي معطيات تتعلق بالتحقيق مع المجرمين وتحويلهم للمحكمة، مشددًا أن مثل هذه الإجراءات يجب أن تكون شفافة فيما يتعلق بتحويلهم للمحاكمة العسكرية التي يجب أن تجرى بطريقة علنية، تتيح للعائلة تتبع كل إجراءات المحاكمة للتأكيد من ضمانات عادلة.
وتابع: اغتيال بنات ينطبق عليه "جريمة تعذيب" تطال حسب القواعد الدولية التي وقعت عليها السلطة ملاحقة ومحاكمة المنفذين ومتخذي القرار، معتبرًا أنه "لا يوجد شفافية ومعلومات عالية حول طبيعة وهوية الأشخاص وأسمائهم وأسباب توقيفهم والمهام الموكلة إليهم.
لكن محامي العائلة غاندي الربعي، حدد مسارين للقضية، الأول: متابعتها مع النيابة العامة العسكرية التي تقوم في التحقيق بالجريمة، ولديها 14 موقوفًا بالنيابة بانتظار نتائج التحقيق وتوجيه لائحة اتهام.
وقال الربعي لصحيفة "فلسطين": ليس لدينا لائحة اتهام حتى اللحظة، لكن هناك اعتراف أنها جريمة ونقوم كفريق دفاع بجمع معلومات وأدلة لتزويد النيابة العامة بها لتوجيه اللائحة".
وحول مجريات التحقيق، أضاف: "طلب مني حتى اللحظة عدم الإفصاح عنها، لكن نقول كعائلة أن هناك من هدد ومن ألقى الأمر ومن قتل بالقصد وكل من يتحمل المسؤولية عليه أن يعاقب، ونحاول إثبات ذلك من خلال المعطيات التي لدينا".
أدلة ومطلب العائلة
وأكد أن لدى فريق الدفاع معلومات كافية تثبت تورط 14 جنديًّا وضابطًا وقائدًا وهي أدلة كاملة ودامغة لتوسيع دائرة الاتهام -حتى لو أنكرها المجرمون- فإن الأدلة الجنائية والشهود دليل آخر.
وأشار الربعي أنه اجتمع مع النيابة العسكرية ثلاث مرات، وأطلعته على نتائج تثبت تورط القتلة بالجريمة.
وتابع: "أي جريمة تقع تحدث أثرًا على المستوى العمل الجنائي، ويتطلب منا المزيد من التحقيق لإثبات تورط أي قائد سياسي أو أمني بها".
وكشف الربعي أنه سيتم إعادة تمثيل الجريمة في منزل نزار والاستماع لشهود العيان والطب الشرعي، متوقعًا أن تبدأ محاكمة المتورطين منتصف شهر أغسطس/ آب القادم، وأنه جرى الاتفاق أن تكون جلسات المحاكمة علنية.
ولدى سؤاله عن جدية التحقيقات، رد بالقول: "قلنا للنيابة العسكرية بوضوح إنه في حال شعرنا بعدم الجدية في التحقيق، ووجود أخطاء ترتكب سوف نعلن انسحابنا من موضوع القضاء العسكري، ومن ثم التوجه للقضاء الدولي بعد استنفاد كل الإجراءات الداخلية".
ويتمثل مطلب العائلة حسب ما قاله غسان بنات شقيق نزار لصحيفة "فلسطين" بخروج رئيس السلطة محمود عباس أمام شاشات تلفزيون فلسطين الرسمية، ويعترف أن ما حدث لنزار جريمة اغتيال سياسي مكتملة الأركان بشقيقها السياسي والأمني وأن يتحمل المسؤولية الكاملة بإقالة الضباط والجنود وتقديمهم للمحاكمة وإقالة كل شخصية سياسية مرتبطة بالاغتيال دون مراعاة لأحد.
ويبقى التساؤل: إن كانت السلطة تريد حصر جريمة الاغتيال بالجنود المنفذين ومد طوق النجاة للمستويات العليا التي أصدت القرار؟ أم أنها تراهن على الوقت لطمس القضية والملف من خلال قمع المسيرات الاحتجاجية المناهضة لجريمة الاغتيال وشن حملة اعتقالات على ناشطين وحقوقيين يطالبون بتحقيق العدالة؟ هذا ما ستثبته الأيام القادمة.