تحرف حكومة الاحتلال الأنظار عن مشاريعها الاستيطانية الكبيرة في المستوطنات القائمة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، من خلال دفع المستوطنين بإنشاء البؤر العشوائية كما يحدث في قرى "بيتا" جنوب نابلس، و"نعلين" قضاء رام الله، و"بيت دجن" في الأغوار.
وبات واضحًا وفق مراقبين، سعي الاحتلال لتشتيت أنظار العالم عما يجري داخل المستوطنات الإسرائيلية الكبرى من أعمال توسعة وشق طرق ومصادرة الأراضي، وتركيز الأنظار على نقاط احتكاك تتعلق بالبؤر العشوائية.
المواجهات الجارية في محيط البؤر العشوائية، توفر للاحتلال مساحة لتوسيع مشاريعه بالمستوطنات القائمة، فقبل أسبوعين نشر "مجلس التكتل الاستيطاني" في مستوطنة "غوش عتصيون" مخططا لبناء 510 وحدات سكنية استيطانية جديدة على أراضي بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، فضلا عن استمرار إنشاء المشروع الاستيطاني "E1" الذي يهدف إلى إقامة آلاف الوحدات الاستيطانية على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية لغرض ربط مستوطنة "معاليه أدوميم" مع القدس.
ومنذ عام 1982، شرعت دولة الاحتلال بإقامة بؤر استيطانية حول المستوطنات الكبيرة لتصبح حتى الآن نحو 230 بؤرة استيطانية بالضفة الغربية، وهي غير ثابتة ويمكن زيادتها، إذ تباركها سلطات الاحتلال وتعمل على تثبيتها ومدّها بالخدمات.
تغيير مفهوم الصراع
بحسب الخبير في مجال الاستيطان سهيل خليلية فإن الاحتلال يحاول تغيير مفهوم الصراع بأن ينقل التركيز على البؤر الجديد كمحور للمواجهة ونقاط الاحتكاك بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين بدعم خفي وغير مباشر من جيش الاحتلال، وذلك بهدف إيصال رسائل للعالم أن المواجهات الموجودة تحدث بين مدنيين فلسطينيين وإسرائيليين.
يعتقد خليلية في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن هذا تكتيك يتبعه الاحتلال في السيطرة، ومن جانب آخر يريد الإشارة إلى أن المستوطنات أمر واقع، وأن الخلاف فقط على البؤر العشوائية، بهدف شد الانتباه عما يجري في المستوطنات القائمة من قبل، التي تشهد أعمال تطوير وبناء وتوسعة".
بذلك يكون الاحتلال قد شتت الأنظار، وفق خليلية، عما يجري داخل المستوطنات ويكون محور التفاوض على البؤر.
ويقسم خليلية البؤر إلى قسمين، الأول الواقعة خلف جدار الفصل العنصري (ما بين الجدار والخط الأخضر)، وهذه أصبحت أمرًا واقعًا لأنها تقع ضمن المخططات الهيكلية للمستوطنات القائمة والتجمعات الاستيطانية الكبرى مثل موديعين "عليت" وغوش "عتصيون"، وهذه البؤر تكون لتوسعة المستوطنات مستقبلا.
أما القسم الثاني وهي البؤر الواقعة شرق الجدار ومنطقة الأغوار، وهي موجودة بمناطق معلنة أنها عسكرية ويقوم الاحتلال بإخلائها، مبينا أن الاحتلال يحاول شرعنة وجود البؤر الاستيطانية وإعطاءها صبغة قانونية.
ومن خلال البؤر العشوائية، حسبما ذكر خليلية، يربط الاحتلال عدة تجمعات وتكتلات استيطانية ببعضها بحيث تصبح كالسلسلة، مشيرا إلى أن عدد البؤر بالضفة الغربية يبلغ 220-230 بؤرة، منهم 120 بؤرة فرضها الاحتلال كأمر واقع ووضع لها مخططات، لافتا إلى أن عدد المستوطنات القائمة بالضفة تبلغ نحو 198 مستوطنة.
وحسب تصنيف الاحتلال فإن المستوطنات التي يبدأ عدد المستوطنين فيها من 3 آلاف مستوطن وأكثر يطلق عليها "مستوطنة"، في حين أن تلك التي يقطنها من 100 إلى أقل من 3 آلاف مستوطن تسمى بؤرة استيطانية.
ولفت خليلية إلى أن الاحتلال يصادر آلاف الدونمات من خلال البؤر العشوائية فكل بؤرة تمتد على قرابة 50-100 دونم، ويتم عزل مساحة ضخمة من الأراضي الفلسطينية ومصادرتها لصالح البؤر.
في مايو/ أيار 2021 صدّقت اللجنة المنظمة للكنيست" الإسرائيلي (البرلمان)، على تقديم وعرض مشروع قانون "تسوية المستوطنات الصغيرة"؛ أي البؤر الاستيطانية العشوائية للبدء بإقراره في الكنيست، وهو ما يقود إلى القضاء على حلم الفلسطينيين بإقامة دولتهم، وتقطيع الضفة الغربية وجعلها "كانتونات".
ورأى خليلية أن "قانون تسوية المستوطنات، يعني أنه ستُعطى شرعية لوجودها، ومن ثم تحديد ميزانيات ومخططات وشكل البؤر، وستُمنَح تدريجيا كل ما يلزم من بنى تحتية تتضمن خطوط مياه وكهرباء ومركز حكومي وتعليمي وخدمات".
قانون شرعنة المستوطنات
لكن الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد يلفت إلى أن القانون يشمل شرعنة 4 آلاف وحدة سكنية خارج حدود المستوطنات، وهذه الوحدات مقامة على مناطق فلسطينية مسجلة بأسماء فلسطينيين لدى دوائر الأراضي الإسرائيلية.
وأشار شديد في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال بدأ العمل بالبؤر العشوائية عام 2003 بعد تطمينات تلقاها من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، حينها اعترف بالمستوطنات كأمر واقع.
وقال: إن "الاحتلال استغل ذلك في زيادة البؤر العشوائية وتوسيعها، وهي تمتد على كل أراضي الضفة الغربية، والاستيلاء على أكبر عدد من الأراضي".
ولفت إلى أن وراء التوسع في البؤر العشوائية يخفي الاحتلال هدفًا سياسيًا في المستقبل، بهدف مبادلة هذه الأراضي مع مناطق بالداخل المحتل، وفق خطط إسرائيلية ممنهجة في تهجير أبناء الشعب الفلسطيني تسير على نار هادئة وبخطط مدروسة.