بعد تأجيل تاريخي من العام الماضي بسبب أزمة جائحة كورونا، أعلن إمبراطور اليابان ناروهيتو الجمعة رسميا افتتاح دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو التي عرفت شدا وجذبا بشأن إلغائها أو إقامتها. ويجرى الأولمبياد في ظل إجراءات صحية صارمة وصلت إلى حد إقامة المنافسات دون حضور جماهيرها. وينصب التركيز بداية من اليوم على الرياضيين الذين يبدؤون التنافس على الميداليات الملونة.
في خضم جدل مستمر حيال إقامته أو إلغائه، أبصر أولمبياد طوكيو الصيفي أخيرا النور الجمعة ليستمر إلى غاية 8 آب/أغسطس المقبل وسط قيود مشددة لتفادي تفشي كوفيد-19 وحظر جماهيري أجنبي ومحلي.
على الملعب الأولمبي الذي استضاف ألعاب 1964 وأعيد بناؤه ليتسع لـ68 ألف متفرج، أعلن إمبراطور اليابان ناروهيتو افتتاح دورة طوكيو بعد حفل بسيط حضره نحو ألف شخص من المدعوين بعد أن كانت المدن تتنافس في ما مضى لجعله الأكثر إثارة في تاريخ الألعاب المقامة مرة كل أربع سنوات.
ومثل حفل الافتتاح مناسبة لتكريم ضحايا كارثة فوكوشيما النووية في آذار/مارس 2011، إثر زلزال مدمر بقوة 9 درجات قبالة الساحل الشمالي الشرقي وتسونامي هائل أدى إلى انصهار نووي وتلويث المناطق المجاورة بالإشعاع.
"لحظة أمل"
وفي كلمته، وصف رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ إقامة ألعاب طوكيو بـ"لحظة أمل" قائلا "اليوم لحظة أمل. نعم، هي مختلفة تماما عن تلك التي تخيلناها. لكن فلنعتز بهذه اللحظة لأننا هنا سويا".
وتوجه باخ إلى الرياضيين قائلا "لقد اضطررتم لمواجهة تحديات كبرى خلال مساركم الأولمبي (...)اختبرتم الكثير من الشكوك خلال الجائحة. لم تعرفوا إذا كان بمقدوركم رؤية مدربكم في اليوم التالي".
وتابع "لقد عانيتم، ثابرتم، لم تستسلموا واليوم تحوّلون حلمكم الأولمبي إلى حقيقة. أنتم رياضيون أولمبيون حقيقيون. لقد ألهمتمونا، اللجنة الأولمبية الدولية وكامل المجتمع الأولمبي. ألهمتمونا للقتال مثلكم، ولأجلكم، ولجعل هذه اللحظة ممكنة".
واعتبر الألماني أن "الدرس الذي تعلمناه: نحتاج لمزيد من التضامن. مزيد من التضامن بين المجتمعات. التضامن يعني أكثر من الاحترام وعدم التمييز. التضامن يعني المساعدة، المشاركة والاهتمام".
وحمل ستة أشخاص العلم الياباني إلى داخل أرض الملعب هم أربعة رياضيين، شخص من ذوي الإرادة الصلبة وعامل/عاملة في المجال الصحي تقديرا للجهود المبذولة في مواجهة تفشي الفيروس.
حفل بسيط
واتسم الحفل بالبساطة ودخلت مسيرة الرياضيين الملعب الأولمبي بابتسامات خلف الكمامات وسمح لرجل وسيدة بحمل الأعلام سويا لأول مرة.
وحضر أقل من 1000 شخص حفل الافتتاح الذي عادة ما يكون عرضا مليئا بنجوم الرياضة ويعج بالمشاهير وفرضت إجراءات صارمة للتباعد الاجتماعي ورفعت لافتات تطالب الجماهير "بالتحلي بالهدوء حول الملعب".
إجراءات صحية مشددة
لكن جاء الحفل ليمثل تجمع العالم لأول مرة منذ بداية الجائحة، وانطلاقة أكبر حدث رياضي عالمي مع توقع جمهور يصل إلى مئات الملايين عبر شاشات التلفزيون.
واحتشد المئات من اليابانيين خارج الملعب لمشاهدة الألعاب النارية والاستماع إلى الأصوات الصادرة من الداخل، في حين واجههم في المقابل عشرات الأشخاص المعارضين الذين طالبوا "بإلغاء الأولمبياد" واستخدام الأموال لمساعدة القطاع الصحي ووصل صداهم إلى داخل أسوار الملعب.
وقالت إحدى السيدات التي ترحب بإقامة الاولمبياد وتدعى ماكو فوكوهارا لوكالة الأنباء الفرنسية "نحن هنا من أجل الأجواء والأضواء والألعاب النارية"، معربة عن أملها "في أن نشعر على الأقل بالأجواء".
داخل الملعب الأولمبي، سارت أعداد صغيرة، تقريبا 20 من كل دولة، في مسيرة الفرق وغادرت سريعا لتجنب العدوى. وسارت معظم المجموعات بهدوء مع التلويح بالأعلام لكن الوفد الأرجنتيني كان صاخبا وقفز أفراده بحماس أثناء العرض. ونسج على منواله الوفد الفرنسي الذي دخل الملعب الأولمبي بالقفز والأناشيد.
وفي حين فضلت غالبية زعماء ورؤساء العالم عدم التوجه إلى العاصمة اليابانية، كان من أبرز الحاضرين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تستضيف بلاده النسخة المقبلة في العام 2024 والسيدة الأمريكية الأولى جيل بايدن إلى جانب رئيس اللجنة الدولية الألماني توماس باخ.
وبسبب اضطرار المنظمين إلى خفص الميزانية نتيجة الخسائر التي تكبدوها، لم يكن الحفل مهيبا كما في النسخ الأخيرة، وانعكس ذلك على الرياضيين الذين حضر منهم زهاء 5700 وهم يرتدون الكمامات إلى الحفل الخالي من صخب الجماهير من أصل قرابة 11 ألفا سيتنافسون في الألعاب.
وافتتح الحفل بفيديو يظهر الرياضيين وهم يتمرنون في منازلهم خلال الجائحة قبل أن تطلق الألعاب النارية في سماء الملعب الأولمبي ويقف الحاضرون دقيقة صمت تحية لأرواح الذين فقدوا حياتهم بسبب الفيروس.
وأظهرت الأرقام الرسمية أن تكلفة الألعاب بلغت 1,64 تريليون ين، ما يعادل 14,8 مليار دولار أمريكي وفقا لسعر الصرف اليوم، بما فيها 294 مليار ين إضافية (2,6 مليار دولار) بسبب تأجيل عام كامل.
وشهد الحفل لوحات فنية مع تأثيرات بصرية وصوتية، وجسد حب اليابان للحرف التقليدية في البلد الآسيوي وألعاب الفيديو التي صدرتها إلى العالم، إذ دخل الرياضيون في طوابير البعثات على وقع أنغام موسيقى من ألعاب شهيرة.
وزينت 1824 "درون" سماء الملعب على شكل الكرة الأرضية على وقع أغنية "إيماجين" (تخيل) للمغني الإنكليزي الشهير الراحل جون لينون التي تتحدث عن عالم خال من العنصرية والتمييز الطائفي والعرقي والمجاعة، في إحدى أجمل لوحات الحفل.
وبعدما تأجلت في آذار/مارس 2020 لمدة سنة، تضمنت رحلة الألعاب قائمة طويلة من التعقيدات، هددتها في بعض الأحيان من أن تصبح أول ألعاب حديثة بعد الحرب يتم إلغاؤها. حينها، أمل المسؤولون اليابانيون أن تكون "دليلا على انتصار البشرية على الفيروس".
لكن تصاعد حدة تفشي فيروس كورونا عالميا وظهور المزيد من المتحورات المعدية، خفض حدة النغمة المنتصرة وأثار معارضة متزايدة داخل البلاد.
إجراءات صحية مشددة
وفيما يُتوقع أن يكون هذا الأولمبياد نسخة باهتة عن الاحتفالات السابقة، يحاول المنظمون التعويض على المشاهدين بالاعتماد على تكنولوجيات بث وابتكارات متطورة ليتمكنوا من عيش الحدث.
أنشأت شركة "أو بي إس" (خدمات البث الأولمبية) تسجيلات صوتية من ضوضاء الجماهير في الألعاب السابقة لتتكيف مع كل رياضة، وسيتم بثها في أماكن المنافسات.
وسيتمكن الرياضيون أيضا من تلقي التشجيع من خلال شاشات عرض لمشاهد فيديو (سيلفي) مرسلة من كل أنحاء العالم، والتواصل عن طريق الفيديو مع أحبائهم بمجرد انتهاء مسابقاتهم.
وعلى الرغم من التدابير القاسية المتخذة قبل وصول المشاركين في الأولمبياد، على غرار الخضوع لعدة فحوص "بي سي آر" وتنزيل تطبيقات تتبع ومراقبة صحية أبرزها "أوتشا"، ظهرت بعض الإصابات لدى الرياضيين وإداريي البعثات في الأيام التي سبقت حفل الافتتاح.
يتعين عليهم ارتداء الكمامات طوال الوقت باستثناء فترة تناول الطعام، النوم أو التنافس، ويسمح لهم فقط بالتنقل بين القرية الأولمبية وباقي المنشآت الرياضية.