يُجمع خبراء اقتصاديون على أن الأزمات المالية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية هي مقدمة لحدوث انهيار مالي سيتسبب في حدوث فوضى خلاقة في المجتمع، وستصبح حينها المؤسسات السيادية على المحك.
وأشاروا إلى أن السلطة هي من أوصلت ذاتها إلى هذا المأزق، بضربها بعرض الحائط الدعوات المطالبة لها باتباع سياسة مالية تنموية تقشفية، وعجزها أو تخاذلها عن مواجهة صور الفساد، ومحاكمة مرتكبيه، فضلاً عن غياب الخطط الإستراتيجية في إدارة المال العام.
محدودية الاستدانة
وأكد الاختصاصي الاقتصادي د. سمير حليلة أن السلطة الفلسطينية في مرحلة مالية صعبة لا تستطيع أن تقترض داخلياً من البنوك والمصارف أو تتوجه للخارج لكي تتخلص من أزمتها المالية، وأن ذلك سيكون له تبعات سلبية غير متوقعة على وجودها.
وقال حليلة في حديثه لصحيفة "فلسطين": "إن السلطة الفلسطينية في موقف مالي لا تُحسد عليه، إذ إنه من الصعوبة أن تحصل السلطة على تمويل جديد لخزينتها من البنوك المحلية؛ لأن البنوك وصلت إلى أعلى سقف استدانة، وأن المزيد من الدين للسلطة يشكل خطرا كبيرا على النظام المصرفي الفلسطيني، حيث إن أموال المودعين والمستثمرين تصبح في خطر إذا ما تعثرت السلطة عن تسديد ما عليها من ديون.
وأضاف حليلة أن ثقة المانحين بالسلطة الفلسطينية تراجعت كثيراً في أعقاب قمعها لحقوق الإنسان وشن اعتقالات واسعة في أوساط المناوئين لسياستها، فضلاً عن توصل المانحين إلى قناعة بغياب أفق سياسي بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
تلكؤ المانحين
وأوضح في هذا الصدد أن الدول المانحة باتت تتلكأ في تمويل خزينة السلطة وأن الحديث عن أزمة مالية لديها غير منطقي، فبرلمانات الدول الخارجية وبخاصة الأوروبية تواجه ضغطاً شعبياً، لوقف تمويل السلطة حيث إنهم يعدون أن السلطة لا تختلف عن بقية الأنظمة العربية في انتهاج سياسة القمع ومصادرة حقوق الإنسان، وأن ما حدث من قتل للناشط نزار بنات والمسيرات المستمرة المناوئة، قد زاد من تراجع التمويل الدولي لخزينة السلطة الفلسطينية.
وأشار حليلة كذلك إلى أن المانحين غير راضين عن العلاقة السياسية بين السلطة والاحتلال، التي تشهد حالة من الشد والجذب، فهم يرون أنه في قصف الاحتلال للمقرات الحكومية والمنشآت السكنية الفلسطينية في أي عدوان هو مضيعة لأموالهم، وأن ذلك تكرر أكثر من مرة دون أن يكون هناك رادع لسلوك الاحتلال العدواني.
من جهته قال الاختصاصي الاقتصادي د. نائل موسى، إن من مصلحة الاحتلال الإسرائيلي أن تبقى السلطة الفلسطينية تتخبط في إدارة المال العام وظهور الفساد المالي، لأنه يجزم على أن تحسن وضعها المالي هو زيادة في قوتها، لذلك يحاول قدر الاستطاعة أن يجعل السلطة تدور في دائرة مالية مغلقة.
وحذر موسى في حديثه لصحيفة "فلسطين" من تبعات توجه السلطة للاستدانة المالية من الاحتلال الإسرائيلي، فذلك سيزيد من الضغط السياسي الذي يمارسه الاحتلال على الفلسطينيين، بل إنه سيحاول ربط الإقراض بدفع السلطة إلى مزيد من التنازلات السياسية.
وأضاف موسى لصحيفة "فلسطين" أنه في حال تم إعطاء الاحتلال السلطة تلك الديون، وعجزت الأخيرة عن التسديد فإن الاحتلال من تلقاء ذاته سيخصم هذه الديون من أموال المقاصة، وحينها السلطة ستعيد النظر في النفقات، وأول ما تبدأ به هو تقليص رواتب الموظفين.
وبين موسى أن الاحتلال الإسرائيلي غير معني في الوقت الراهن بسقوط السلطة بشكل كامل، لأنه يخشى في حال سقوطها اندلاع مواجهات شعبية في محافظات الضفة الغربية على أثرها تتسلم فصائل المقاومة إدارة الحكم وهو ما يشكل خطرا كبيرا على أمنه خاصة المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين.
ورجح الاختصاصي موسى أن يُقدم الاحتلال مزيداً من التسهيلات الاقتصادية للضفة الغربية لضبط الوضع الأمني، وذلك بزيادة أعداد العاملين في الداخل المحتل، ورفع بعض القيود عن تنقل الأفراد والبضائع، وتأجيل تحصيل بعض الديون المتراكمة على السلطة رغبة من الاحتلال في وأد فتيل أي هبة شعبية تنطلق ضد السلطة.
نفق مظلم
بدوره قال الاختصاصي الاقتصادي د. نور أبو الرب، إن السلطة تعيش في نفق مظلم، ففي ظل تراجع المساعدات الدولية فإنها لا تستطيع أن تفي بالنفقات التشغيلية التطويرية.
وأضاف أبو الرب لصحيفة "فلسطين" أن العجز في ميزانية 2021 أكثر من مليار و200 مليون دولار، وتوقعت السلطة عند وضع الموازنة أن تتحصل على (760 ) مليون دولار من المانحين لتغطية العجز، لكن لم تتسلم هذه المبالغ فظهر العجز هذا العام مبكراً".
وأوضح أبو الرب أن الأزمات المالية المرتقبة أول ما ستظهر ستكون في إحجام السلطة عن دفع رواتب الموظفين، وهذا سيعمق من الأزمة المالية لدى الأفراد والأسر، وأيضاً سيتسبب في فقدان السيولة النقدية في الأسواق، فيتضرر التاجر والمزارع والمستثمر.
وأكد الاختصاصي أن السلطة بحاجة إلى حركة إصلاحية قوية جداً، وفق خطة ممنهجة.
وقال: "إن الأزمة المالية التي تواجهها السلطة من صنع الحكومات السابقة التي تحاول كل واحدة أن تأخذ ديونا وترحل تسديدها للحكومة القادمة حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
وأضاف:" نحن نواجه ديونا داخلية وديونا خارجية، وتراجع دعم المانحين، وفروقا في الرواتب بين كبار وصغار الموظفين، وغياب العدالة الاجتماعية في التوظيف، وخللا في وضع الموازنة العامة، وقياسها كل عام، فضلاً عن التسيب المالي والإنفاق غير المبرر".
ضعف الرقابة
وتطرق الاختصاصي الاقتصادي د. أسامة نوفل في حديثه لصحيفة" فلسطين" إلى ضعف أدوات الرقابة على إدارة المال العام، وقال:" أنشأت السلطة ديوان الرقابة الإدارية والمالية لمتابعة المال العام ولكن متابعتها ضعيفة جدا وليس لديها الجرأة والحيادية في إظهار ما يتعرض له المال العام من سرقة، كما أن هيئة الكسب غير المشروع التي أنشأتها السلطة غير قوية لأنها أُنشئت من جانب الرئيس وهي تدور في فلك التغطية على فساد السلطة المالي.
وبين نوفل أنه منذ تولي سلام فياض حتى الوقت الحالي زمام الحكم، والرقابة على المال العام محدودة جداً، حيث إن التزام السلطة بمبادئ شفافية الموازنة العامة الثمانية ضعيف جداً، فهي تلتزم فقط بـ( 4 ) بنود من أصل ثمانية.
وأكد أن صندوق الاستثمار الفلسطيني إحدى أدوات الفشل في إدارة المال العام حيث لا تُعرف قيمة الأموال في هذا الصندوق أو أين أو كيف تستثمر.
وأشار إلى أن استمرار السلطة في الاستدانة من الديون يزيد من العبء المالي فمديونية السلطة للبنوك (2.3 ) مليار دولار ديونا محلية، إضافة إلى ديون خارجية.
ولفت إلى الإنفاق الكبير على السفارات الخارجية التي لا تقوم بمهمات كبيرة مقارنة بحجم الإنفاق عليها، كما تطرق إلى أن إيرادات السلطة من الصناديق العربية والإسلامية محدودة جداً.
وعرج نوفل في حديثه على السلوك السلبي الذي تتعامل به السلطة في الإنفاق المالي على قطاع غزة، حيث إن غزة تعطي السلطة أكثر مما تأخذه منها من الإيراد المالي، مبيناً أن العديد من الشركات الكبرى تدفع للسلطة الضريبة برغم عملها في قطاع غزة.