هادي عمرو من أصول عربية، يشغل منصب مساعد نائب وزير الخارجية الأمريكي الحالي، ومسؤول الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية في الخارجية الأمريكية
قبل توليه منصبه عمل هادي زميلاً زائراً في معهد بروكينغز في واشنطن، ومن أهم دراساته التي شارك فيها دراسة بعنوان: إنهاء أزمة غزة الدائمة.. نهج أمريكي جديد، وقد كتب هادي عمرو دراسته وهو خارج العمل الدبلوماسي، وبصفته باحثاً في قضايا الشرق الأوسط.
الذي يقرأ هذه الدراسة ويقارنها بالسلوك الأمريكي الحالي يرى أن هناك تقاطعات كبيرة بين أداء الخارجية الأمريكية في ولاية بايدن وما جاء في فصول هذه الدراسة، وعليه يطرح المقال التساؤلات الآتية: ما جوهر هذه الدراسة؟ أين أصابت؟ وأين أخفقت؟ وما المطلوب من هادي عمرو القيام به من أجل استقرار المنطقة؟
أولاً: "أزمة غزة الدائمة.. نهج أمريكي جديد" ملخص الدراسة:
تبحث الدراسة في سبل استقرار قطاع غزة ومعالجة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، وإبعاد شبح الحروب عن القطاع قدر المستطاع بين حركة حماس و(إسرائيل)، والسعي إلى إعادة الدمج السياسي والمادي لقطاع غزة والضفة الغربية بطرق تعزز من حل الدولتين وتبعد شبح الانفصال الدائم بين المنطقتين. وترى الدراسة أن أقصر الطرق للوصول إلى تلك الأهداف يتمثل عبر الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية الفعالة للتخفيف من حالة الطوارئ الإنسانية والاقتصادية والأمنية في القطاع. بالإضافة إلى دعم العملية السياسية من خلال مسار تشاركي مع شركاء الولايات المتحدة بهدف دمج الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن إطار واحد، والعمل على تثبيت وقف إطلاق نار طويل الأمد بين (إسرائيل) والفصائل الفلسطينية، وإدارة التنازلات المطلوبة بين المصالح المتعارضة.
وتضع الدراسة إطارا واسعا يعكس عمق اطّلاع هادي عمرو وشركائه في الدراسة على تعقيدات الواقع في قطاع غزة، الذي اجتهد عمرو في الإبحار داخل تعقيدات المشهد ووضع رؤى من خلالها يعتقد السيد هادي عمرو أنه ممكن أن يحقق بعض الاختراقات، التي تلقى قبولاً من الأطراف كافة، وقد أصاب في بعض المحاور، ومن يعمل بالحقل السياسي يدرك صعوبة بناء مقاربة ترضي كل الأطراف، ولكن الجهود الأمريكية في حال تبنت رؤية هادي عمرو في إنهاء الأزمة الإنسانية كمدخل رئيس لحل سياسي منسجم وقرارات الشرعية الدولية، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، فإن ثمة فرصا مطروحة لإحداث اختراق حقيقي في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على أن تبدأ خطوات ترتيب البيت الفلسطيني عاجلا وبسرعة.
ثانياً: أين أصابت الدراسة؟ وأين أخفقت؟
أصابت الدراسة عندما أقرت ضرورة دمج حركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني، وهذا له تفسير عملي بأن فكر هادي عمرو السياسي مع رفع حماس من قوائم الإرهاب الدولي، وأن طلبه في دراسات أخرى بضرورة دراسة قانون الإرهاب لعام 1987م قد يكون مرتبطا مع هذا التوجه، الذي أرى أن فيه ضرورة لإحداث الاستقرار بالمنطقة، والتعاطي مع حماس والجهاد الإسلامي أنهما جزء من الحل وليسا المشكلة.
أصابت الدراسة عندما أوصت بضرورة إنهاء الحصار وحل الأزمة الإنسانية في غزة من أجل الاستقرار السياسي.
وأصابت الدراسة عندما أقرت قبول بقاء سلاح المقاومة مع ضرورة تقليل الإنفاق العسكري وتحييد السلاح الهجومي.
أخفقت الدراسة عندما قلَّلت من دور حماس السياسي في إدارة المرحلة، وكأنها تجامل (إسرائيل) وتوجهاتها، كما أخفقت في أنها تطرح حلولًا لإدارة الصراع وليس حل الصراع، والتجارب طويلة ومريرة في إدارة الصراع. فقد غلَّبت البحث في استئناف المفاوضات بدل التفكير في آليات تطبيق حل الدولتين.
أخفقت الدراسة عندما غيبت ملف الاستيطان والتمدد الاستيطاني الرهيب في الضفة والقدس، في انقلاب واضح على قرار 2334 في مجلس الأمن في زمن أوباما الذي كان هادي عمرو أحد دبلوماسيي تلك المرحلة.
ثالثاً: المطلوب من هادي عمرو:
أصول هادي عمرو العربية، وحنكته السياسية، وعمله الدبلوماسي الطويل يدفعنا لتوجيه رسالتين له:
1. ضرورة العمل لإقناع الإدارة الأمريكية لتبني سياسة احتواء جديدة مع الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي على قاعدة تطبيق قرارات الشرعية الدولية، عبر خطوات أهمها: رفعها من قوائم الإرهاب الدولي كما حصل مع جماعة أنصار الله في اليمن وغيرها، والحديث المباشر معها عبر دعم مسار ديمقراطي يؤسس لقيادة وطنية جديدة يختارها الشعب الفلسطيني، يساهم في بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بما يحقق المصالح الوطنية ويساهم في بناء الاستقرار، وربما سؤالي للسيد يحيى السنوار ذات مرة بشأن معضلة سلاح المقاومة أجابني برؤية يصلح العمل عليها وهي أن حماس مستعدة لوضع كل مقدرات المقاومة وسلاحها وعناصرها تحت قيادة جيش التحرير الوطني التابع لمنظمة التحرير بشرط أن تجرى انتخابات لمنظمة التحرير.
2. البدء في خطوات سريعة لإنقاذ الواقع الإنساني في قطاع غزة عبر خطوات تتبناها واشنطن وشركاؤها تتمثل في بناء مطار وميناء بإشراف أممي لحين نجاح الأطراف بالوصول إلى حل الدولتين، والتوزيع العادل لثروات القطاع لاسيما المتعلقة بغاز المتوسط، وأموال المقاصة المستقطعة من طرف الاحتلال لصالح السلطة، والمشاريع الدولية، وفتح سوق العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948، إضافة لدعم الاقتصاد عبر فتح كامل للمعابر، والسماح بتوفير السيولة النقدية لسكان القطاع.
أخي هادي بقاء الواقع على ما هو عليه يعزز من فرص الانفجار، حتى وإن كانت الرغبة لدى الأطراف كافة تحول دون ذلك، وعليه أتمنى لك النجاح فيما يحقق مصالح شعبنا، وقيم الإنسانية، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.