تعتيم السلطة على مجريات التحقيق في ملف اغتيال الناشط السياسي نزار بنات يلقي بظلال سوداء على وضع الحريات بالضفة الغربية التي تعاني تدهورا كبيرا، في حين يمثل استمرار الحراك الشعبي المطالب بمحاسبة المسؤولين عن اغتياله ضغطًا على السلطة، وبخاصة بعدما أدرك المواطنون عموماً والناشطون السياسيون خصوصاً أن الخطر على حياتهم بات كبيراً، وأنه لا بد ألا تكون مرحلة ما بعد اغتيال "بنات" كما قبلها، كما يبينون لـ"فلسطين".
وشددت عائلة الناشط السياسي نزار بنات على أن "ملف اغتياله لن يقفل كما يريد رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتية، كاشفة عن إرسال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب جميع الوجهاء والمخاتير لإغلاق هذا الملف.
الحراك الشعبي
الناشط السياسي عامر حمدان انتقد عدم وجود أي نتائج حتى الآن في تحقيق السلطة بملف اغتيال "بنات"، قائلاً:" مع استمرار مطالبات الشارع بالضفة وضغط مؤسسات حقوق الإنسان لن يكون هناك مجال أمام السلطة للتهرب من هذا الملف".
وأضاف: "كنا في الماضي نطالب بإنهاء الاعتقال السياسي، وأصبحنا اليوم نطالب بألا يتم اغتيال النشطاء السياسيين، وهذا تدهور خطر في الحريات"، مشيراً إلى أن استمرار الحراك الشعبي هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يجبر السلطة على رفع يدها عن الحريات العامة.
وعدّ حمدان السلطة كأي "نظام عربي" لا تحترم حقوق وحريات المواطنين، "وبالتالي فإن إنهاء تغولها على الحريات بشكل تام غير ممكن، لكن يمكن أن نمنع تطورها لمرحلة القتل من خلال الحراك الشعبي ضد اغتيال بنات".
في حين أكد رئيس تجمع الكل الفلسطيني بسام القواسمي وجود استهتار من السلطة والقيادة السياسية فيما يتعلق بمحاسبة الجهات السياسية والأمنية التي أعطت الأوامر باعتقال وتصفية "بنات"، مشيراً إلى إسهام ذلك في استمرار حالة الغليان المجتمعي والفعاليات الاحتجاجية المنددة بالجريمة النكراء والاعتداء الصارخ على حقوق الإنسان.
وقال: "السلطة وبعض المتنفذين فيها يمارسون الاعتداء السافر على الشخصيات المعارضة في مؤشر خطر قد يؤدي بنا إلى المجهول ولا يخدم المصلحة الوطنية ويمس المصالح العليا لشعبنا ومشروعه الوطني".
ورأى القواسمي أن ارتفاع وتيرة الاحتجاج الشعبي نابع من إدراك شعبنا خطورة هذه الاعتداءات المرفوضة من كل أطياف مجتمعنا وفصائلنا وحتى الجهات الدولية.
ورجح تواصل الفعاليات الاحتجاجية حتى محاسبة كل المسئولين عن جريمة اغتيال بنات وكل الجرائم بحق المعارضين السياسيين، "وصولاً إلى إجراء الانتخابات وإنهاء الفساد وتجديد الشرعيات لتفويت الفرصة على كل المتنفذين".
ودعا كل المهتمين بالمشروع الوطني لإكمال مسيرة "بنات" ووضع النقاط على الحروف، لتصحيح الواقع الفلسطيني، لإنهاء وضع الرئاسة المنتهية ولايتها والقضاء المهترئ الذي تتدخل فيه السلطة التنفيذية وتغييب المجلس التشريعي.
وأضاف: "إن محاولة السلطة اغتيال صوت المعارضة يعني أنها تريد الاستمرار في حكمها الديكتاتوري بعيداً عن القيم الديمقراطية وبشكل لا يناسب تضحيات شعبنا".
السلطة تتجاهل
بدوره بين المحلل السياسي صلاح حميدة، أن السلطة تتعامل مع اغتيال "بنات" كأنه قتل في شجار بين مواطنين، "كأن الأمر يستهدف السلطة كمؤسسة وليس المؤسسة الأمنية أو حتى حركة فتح كتنظيم".
واستدرك بالقول: "فالذي يراقب الخطاب السياسي يرى أنه يتم التعامل مع الأمر كمعركة شخصية بين الجهات المطالبة بترسيخ الحقوق الفردية والجمعية لشعبنا وبين الرافضين لصوت الشارع المنتقد لسياسات السلطة ويريدون الاستمرار في قمعه".
وقال: "بنات لم يكن يحمل سلاحًا وإنما كان ينتقد السلطة بالكلام، والسلطة لديها جيش إعلامي وكان يمكن أن ترد عليه بالطريقة نفسها".
وعزا تجاهل السلطة للمطالب الشعبية إلى عدم فاعلية المؤسسة التشريعية وغيابها وكذلك غياب الصحافة الفاعلة، "كما أن الظرف الإقليمي والدولي يشجع على تلك الممارسات القمعية حيث يرفض أن تختار الشعوب العربية والإسلامية ممثليها بحرية وحتى الانتقادات الخجولة الأوروبية والأمريكية لاغتيال نزار هي لـ"ذر الرماد في العيون" و"نفاق مكشوف".
وأبدى مخاوفه من أن تستمر السلطة في ممارساتها السلبية في ظل تجاهل محاسبة قتلة "بنات" لأن جهاتها التنفيذية لم تقر بجريمتها بل وضعت نفسها في عداء مع الجهات الشعبية التي تحتج على تلك الجريمة، وأنه لا توجد أي محاسبة على أي ممارسة، متوقعاً أن تشهد الأيام القادمة ممارسات أسوأ مما حدث مع بنات.