تنقل وسائل الإعلام عن مصدر فلسطيني كبير في مكتب الرئيس محمود عباس تفاصيل جديدة عن اللقاء الذي تم لعشرين دقيقة بين عباس وببن ترامب في بيت لحم، والذي قال إنه بدأ إيجابيا، ثم ما لبث أن أخذ مسارا آخر، بعد أن اتهم ترامب عباس بتأييد التحريض والإرهاب.
أما السبب فيتعلق بدفع رواتب الأسرى والشهداء، والذي يصنف دعما للإرهاب والتحريض من قبل ترامب، تماما كما هي حال الصهاينة بالطبع، ثم أضيف إلى ذلك ما يسمى التحريض في مناهج التعليم الفلسطينية.
أبو مازن حسب المصدر الفلسطيني أجاب ترامب بالقول: “كانت هناك لجنة مشتركة للسلطة الفلسطينية و(إسرائيل) لمعالجة مسألة التحريض في الطرفين، لكن اللجنة لا تعمل منذ سنوات عديدة. أما دفع الرواتب للسجناء فتحوّله السلطة للسجين من خلال صندوق خاص في (م.ت.ف) وليس الحكومة الفلسطينية”.
هنا، والكلام للمصدر “فقد ترامب صبره وقاطع عباس ضاربا بكفه الطاولة، قائلا: “أنت تقول إنك تريد السلام. عمليا لا يوجد أي تعبير عن ذلك. عرض الإسرائيليون عليّ أدلة على أنك شخصيا تشارك في التحريض، تشجع من مسّ باليهود وتكافئهم. ما هكذا يتصرف من يسعى للوصول إلى السلام. عندما كنت في واشنطن عرضت عليّ صورة مختلفة تماما في كل ما يتعلق بجهودك لاستئناف المفاوضات والمسيرة السلمية، لكن إحساسي هو أنك عمليا خدعتني”.
ما كُشف بالطبع هو أن الصهاينة عرضوا شريطا على ترامب، فيه تصريحات لعباس، ولمسؤولين آخرين من السلطة، ينطوي على ما يرونه تحريضا.
دلالات كبيرة تطرحها هذه القصة، لعل أهمها على الإطلاق يتعلق بموقف ترامب من الكيان الصهيوني، واستجابته لكل ما يقوله له قادته. وحين يكون سفيره في تل أبيب يهوديا متعصبا، ومبعوثه للشرق الأوسط، يهوديا متعصبا أيضا، وصهره كذلك، وهم من يقدمون له الحيثيات، فلك أن تتخيل المشهد.
والحال أن هناك ما هو أسوأ من ذلك، فالرجل (ترامب) الذي يعيش متاعب داخل بلاده، تجعله غير مطمئن لمستقبله السياسي؛ يدرك أن انقلاب اللوبي الصهيوني عليه سيقلب ميزان القوى لغير صالحه. والنتيجة أننا إزاء رجل يجمع بين الحب الطبيعي (بصرف النظر عن مدى صدقه) الذي أظهره طوال الوقت حيال الكيان الصهيوني، وبين الخوف من انقلاب اللوبي ضده، ولذلك، فهو لا يحدد علاقته بالكيان فقط بناء على معطيات قادته، بل يحدد بناء عليها مجمل سلوكه الشرق أوسطي، وما ابتزاز إيران، والضغوط على بعض العرب لتسريع التطبيع سوى تأكيد على ذلك (تأجيل نقل السفارة للقدس هو خيار الإسرائيليين، وإن أنكروا، لأنهم معنيون باستمرار بث الأوهام).
نأتي إلى الحيثيات المتعلقة بغضب ترامب، وذريعتها الكبرى التحريض، وهنا يمكن القول إن الرجل يريد من الفلسطينيين استسلاما كاملا قبل (السلام)، أو قبل الحل، وهذه هي خلاصة مطالبه.
إنه يريد من الفلسطينيين أن يتنكروا لأبطالهم وشهدائهم، ويريد منهم أن يغيروا مناهجهم على نحو لا ينطوي على أي تحريض ضد عدوهم، والأكثر إثارة للسخرية أنه لا يتحدث عن التحريض في الطرف الآخر، مع العلم أنه لا مقارنة أبدا بين تحريض من يواجه عدوا احتل أرضه وشرد شعبه، وبين تحريض من احتل وشرّد.
الصهاينة لا يكتفون من السلطة بمطاردة المقاومة، وتقديم أفضل مستويات التعاون الأمني، بل يريدونها أن تغير كل شيء في المجتمع الفلسطيني، بحيث ينسى أن له قضية، وكل ذلك من دون مقابل، وفي الوقت الذي يسمع فيها نتنياهو يتحدث ليل نهار عن أن القدس هي العاصمة الموحدة للكيان.