على أنغام العود وإيقاع الموسيقى وسط رام الله تهتز منذ أيام أجساد عشرات الراقصين والراقصات الذين يرقصون طربًا لما وصلت إليه الحالة الفلسطينية من تشظٍّ وانقسام، هذا الرقص والطرب الذي انطلق في مهرجان رام الله للرقص المعاصر تحت شعار "البعيد عنك قريب" هو أبعد ما يكون عن الواقع الأليم الذي يحياه الفلسطينيون في الضفة المحتلة من قمع للحريات، واعتقالات متواصلة على مدار الساعة، واستيطان متفشٍ في محيط المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة المحتلة.
الإعلان عن مهرجان الرقص المعاصر في رام الله يأتي هذا العام وسط حملة قمع غير مسبوقة تمارسها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، شملت ممارسة الضرب المبرح والتنكيل بالشبان والفتيات الفلسطينيات في شوارع رام الله، واعتقال النشطاء والحقوقيين بتهمة إعلاء صوتهم الرافض لجريمة قتل الناشط الفلسطيني نزار بنات وتقييد الحريات، وكأن لسان الحال في رام الله أنه يُسمَح للشباب والفتيات التجمهر للرقص والطرب، ولكنه يُحظَر عليهم التجمهر لقضايا الوطن أو المطالبة بحُرية الرأي والتعبير ومحاسبة القتلة والفاسدين.
مهرجان الرقص والطرب المتواصل منذ أيام في رام الله والذي يهدف إلى إسباغ الشباب الفلسطيني بالميوعة والانحلال، ليس قدر أهل الضفة الذين تطرب آذانهم لأزيز الرصاص المقاوِم، والذي جاء هذه المرة من شمال الضفة لينفي تهمة الميوعة والانحلال عن شبابها الثائر، فالأخبار الواردة من جنين، والتي تقر لها العيون وتطرب لها الآذان، هي أخبار المقاومة العنيفة والاشتباكات المسلحة التي فاجأت جيش الاحتلال المتوغل في المدينة، والذي تعرضت قواته ووحدات مستعربيه إلى إطلاق نار كثيف، وإلقاء عبوات متفجرة، أدت إلى إصابة مركبة عسكرية اضطر جيش الاحتلال إلى سحبها وسط إطلاق نيران كثيف.
مهرجان الرقص في رام الله يتنافى تمامًا مع المهرجان الوطني الكبير الذي تجسّده بلدة "بيتا" جنوبي نابلس، والتي أضحت بصمودها وفعالياتها الشعبية أيقونة للمقاومة في الضفة، فالشباب الفلسطيني الذي يتجمهر في تلك البلدة لإقامة فعاليات "الإرباك الليلي"، وإطلاق الأبواق والألعاب النارية، وأضواء الليزر تجاه المستوطنين المحتلين، ولا يعير اهتمامًا لاستنشاق الغاز المسيل للدموع، أو الإصابة بالرصاص، إنما هو يعبر حقيقة عن شباب الضفة وفتياتها الذين يتجمهرون فداء للقدس وفلسطين وليس للرقص على الجراح.
من قام بتنظيم مهرجان الرقص والطرب في رام الله يدرك جيدًا أن مثل تلك الفعاليات لا علاقة لها بثقافة الشعب الفلسطيني، ولا هويته التاريخية الأصيلة، ولا نضاله المتواصل لتحرير الأرض ومواجهة الاستيطان الذي أقرت حكومة بينيت الجديدة دعمه بإقامة واحد وثلاثين مخططًا استيطانيًّا جديدًا في الضفة المحتلة، ولا علاقة لمثل هذه المهرجانات الراقصة بمساعي الفلسطينيين لتفكيك مستوطنات الضفة والقدس والتي جاوز تعدادها 164 مستوطنة، و116 بؤرة استيطانية، وطرد أكثر من 650 ألف مستوطن يعيثون فسادًا في الضفة والقدس المحتلة، والذي يعيشون مرحلة ذهبية في ظل التنسيق الأمني المشين مع السلطة الفلسطينية وأجهزتها القمعية.
ختامًا سيبقى مهرجان الرقص المعاصر في رام الله والذي يُنظَّم للسنة الخامسة عشرة على التوالي عنوانًا لمرحلة الضياع التي سطرها محمود عباس في أثناء تربُّعه على عرش السلطة الفلسطينية، حيث التنسيق الأمني، وتفشّي الاستيطان، وتوفير الحماية للمستوطنين، وقمع الحريات، والانقسام العميق في المنظومة السياسية الفلسطينية، في مقابل دعم الميوعة والانحلال والرقص والطرب فوق جراح الوطن.