فلسطين أون لاين

قيم اجتماعية تحملها نفحات "ذي الحجة"

...
غزة- هدى الدلو:

مواسم الطاعات جاءت لتهذب النفوس وتعيد التذكير بحاجة الإنسان إلى مراجعة ذاته، فالأيام الأول من ذي الحجة تحمل في جعبتها قيمًا اجتماعية ونفسية تتركها في الناس.

"يبدأ الجميع التحضير لتلك المواسم من وقت بعيد، ويعدون البرامج لاستثمار أوقاتهم، من صيام وصدقة وصلاة، وكثير من تلك الطاعات تترك في النفس الهدوء والطمأنينة اللذين يحتاج لهما الكثير" والحديث هنا للاختصاصي الاجتماعي والنفسي إسماعيل أبو ركاب.

ويقول لصحيفة "فلسطين": "لربما جلنا عاش في العالم الافتراضي وخصص معظم وقته له، ولكن في موسم الطاعات خصوصًا العشر الأوائل تجد الكثير يهتم بتأدية العبادات، لما لذلك من أثر نفسي بهدوء الجوارح وعاصفة الفكر والتسليم الكامل بأن الأمر كله لله".

ويوضح أبو ركاب أنه بالإمكان الاستثمار في الذات والأطفال والآخرين، في هذه الأيام العظيمة.

فيما يتعلق بالذات أي سلوكيات خطأ لدى الشخص مثل التدخين أو النميمة أو التدخل في شؤون الآخرين، أو الكذب أو أخذ مال الآخرين بغير حق، عليه أن يستحضر أجر تركها في هذه الأيام.

أما التأثير بالآخرين فيبين أنه يكون بالكلمة الطيبة وتحمل أخطائهم والصفح عنهم ومسامحتهم في هذه الأيام الفضيلة، وذلك يترك في النفس الشعور بالعلو واحترام الذات ويزيد المحبة بين الناس، "كل تلك السلوكيات لو اهتم بها فسنصل إلى مجتمع نموذجي" يضيف أبو ركاب.

وفيما يخص الأطفال يقول: "يمكن زراعة الخير في نفوسهم مثل زراعة الأشجار في الأرض، وذلك بتدريبهم على الصدقة وفعل الخيرات، والمسابقة إلى المساجد، والزيارات الاجتماعية، كل تلك الأنشطة يُدرب الطفل عليها في هذه الأيام تحديدًا حتى لا يستغني عنها في حياته".

لكن هل من تحديات قد يواجهها الغارسون؟ يجيب: "إن أي سلوك جديد أو أي أفكار وقيم جديدة لا يمكن غرسها بسهولة، إذا كان الغارس غافلًا عنها مدة طويلة، وفي أيام عديدة يمكن تغييرها، فهو أمر صعب، ولكن ليبدأ الغارسون من هذه الأيام ويعدوها بداية وسنة حسنة للتغيير".

وينبه أبو ركاب إلى أن الغرس لا يقتصر على الأطفال فقط، ولكن على الغارس للقيم أن يكون هو في البداية قدوة للآخرين بها، وبذلك يصبح عدد كبير من الناس لديهم تغيير في تفكيرهم وطريقة تصرفهم، مستدركًا: "ولكن التغيير عند الكبار أصعب وأشق من التغيير عند الأطفال، ويحتاج إلى صبر ومثابرة".

ويلفت إلى أن القيم التي يجب أن يتعلمها الكبار تتلخص في احترام الوقت، وحب إتقان العمل، والصدق، والأمانة، وحب الخير، والرفق بالصغير، فجميعها يحتاج لها المجتمع، وبالإمكان العمل عليها بأكثر من طريقة، منها الكلمة الطيبة، مع استخدام أسلوب الترغيب.

معاني الخير الكثير

من جانبه يقول الاختصاصي النفسي زهير ملاخة: "هذه الأيام الفضيلة بارك فيها الله عز وجل، وجعلها من أحب الأيام إليه، ودعا الإسلام إلى العمل بخير الأعمال والاجتهاد فيها والبعد عن أي سوء أو تقصير، هذا التخصيص فيه من معاني الخير الكثير للنفس البشرية".

ويرى ملاخة في حديث إلى صحيفة فلسطين أن خصوصية الأيام العشر من ذي الحجة تلقي بظلالها وتوجد أثرًا روحيًّا ونفسيًّا على المسلم يدفعه لتجديد العهد مع الله والنفس على حسن الاستقامة، والحرص على الصواب في كل عمل، وهذا الحرص والسعي للصالحات يزيدان من تأديب النفس واستقامتها.

ويضيف: "تجد النفس العاقلة الواعية قيمة الأيام الفضيلة تتنافس لنيل خير هذه الأيام، فتجد الإنسان في ذكر وتكبير واستغفار وصلاة وتهجد وكف لجوارحه عن أي تقصير، هذا حال الفرد وبذلك حال المجتمع عامة يتأثر بحال أفراده، فينضب بالخير ومزيد من الصدقات، فتكون المساجد شعلة في إحياء معالم ونفحات هذه الأيام، وقلوب الناس منشرحة لعيد ربها، يسعون لتبادل الخير والبعد كل البعد عن الأذى".

ويوضح أن هذه الاستقامة الفردية، والتوجيه المجتمعي في تحقيق العمل بقيمة وقدر هذه الأيام يجعلان البركة والسعادة والتعلق بالله من أجمل نسماتها، ولذلك نجد الأسرة والمسجد والإعلام المجتمعي وسلوك كل فرد فيها تذكير نحو الفضائل، وحث على الصيام، وتكبير داخل وخارج الأسرة، وصلة الأرحام، والتزام بالفرائض والنوافل جماعيًّا.

ويشير ملاخة إلى أن هذا الدور والتوجيه والبناء السلوكي الراقي الجميل لاغتنام فضائل تلك الأيام يبارك الله عز وجل لأصحابها بوافر الخير والنعم، وتحل كل معاني الرضا والسعادة والطمأنينة الروحية والنفسية والبدنية، وتفتح كل أبواب الخير، مع حسن العمل والتوكل اليقيني على الله.

ويكمل: "إن تلك الأيام تختم بجائزة يوم عرفة ثم النحر لمن استطاع وعيد المسلمين، ليستحضروا كل معاني الألفة والتكافل والمشاركة المجتمعية التي يحقق فيها المسلم الفرح والشكر والامتنان لله تعالى".