رأى محلّلون سياسيون، أن التقارير العبرية التي تتحدّث عن نية حكومة الاحتلال الإسرائيلية تقديم تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين؛ لا سيما فيما يتعلق بالمعابر والمناطق الصناعية، تأتي ضمن رؤيتها لما يعرب بــ "السلام الاقتصادي".
وحذر هؤلاء، من تناول الملف الاقتصادي مع الاحتلال بشكل منعزل عن القضايا الوطنية، معتبرين أن القبول بالتسهيلات دون أن يصاحبها أفق جدي لعملية سياسية واضحة المعالم سيضعف الموقف الفلسطيني لاحقًا في تسوية الصراع.
وهذا النوع من "السلام" كان قد مهّد له رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون؛ بحيث لا تعطي هذه السياسة الحق للفلسطينيين بطلب الاعتراف بدولتهم.
ورأى أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت، نصر عبد الكريم، أن التأثيرات الاقتصادية للإعلان عن التوصل لاتفاق بين السلطة والاحتلال "لن تكون جوهرية أو مستدامة، وتندرج في إطار محاولة الاحتلال التغطية على جرائمه".
وقال عبد الكريم، إن تلك التسهيلات معظمها يتعلق بحركة المواطنين وتصاريح إضافية لرجال الأعمال، وتأتي ضمن رؤية نتنياهو "للسلام الاقتصادي".
ولفت إلى أن تلك الإجراءات، إن تمت، "لن تكون أكثر من تسهيلات معيشية، لن يكون لها تداعيات اقتصادية (...)؛ فلن يكون لها القدرة إلا على خلق تأثير محدود على الاقتصاد، ولكن ليس بشكل فوري".
وشدد على ضرورة تمسك السلطة برؤية "أن الصراع مع الاحتلال ليس نزاعا تجاريا على حقوق اقتصادية، وإنما صراع على الأرض والمقدرات".
وتوقّع عبد الكريم أن تكون هذه الإجراءات "مهربا لنتنياهو من ضغوط سياسية، ومن باب محاولته الاستمرار في منهج السلام الاقتصادي وفق رؤيته التي تقوم على تقديم مزايا اقتصادية للمواطنين ورجال الأعمال بعيدًا عن أي مواقف سياسية".
وحذر من تناول الملف الاقتصادي مع الاحتلال بشكل منعزل عن القضايا الوطنية، معتبرًا أن القبول بالتسهيلات دون أن يصاحبها أفق جدي لعملية سياسية واضحة المعالم سيضعف الموقف الفلسطيني لاحقًا في تسوية الصراع.
وربط عبد الكريم بين تصريحات نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا، والتي أشارت لضرورة تحسين جوهر حياة الفلسطينيين واقتصادهم والحث على مضاعفة الجهود في ظل محاربة "الإرهاب"، معتبرا أنها تنطوي على تناغم واضح في الرؤى بأن لا حل سياسي في الأفق في ظل استمرار الاحتلال وجرائمه، مشددا على أن "نتنياهو لن يقدم مكاسب اقتصادية دون أن يتوقع مقابلًا من الجانب الفلسطيني".
وأوضح أن "هناك بعدا سياسيا غائبا في التعاطي مع مفهوم التسهيلات التي يتحدث عنها الاحتلال، رغم أنها حقوق مسلوبة، فلا بد أن يرفضها الفلسطينيون على قاعدة أنها جزء من الحقوق وليست منّة، والتأكيد على أنه لا يمكن أن ينتج عنها استقرار وحل سياسي".
تسهيلات مشروطة
بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي الفلسطيني، نائل موسى، أن رزمة التسهيلات التي أعلنت حكومة الاحتلال عن تقديمها للفلسطينيين، تندرج ضمن السياسة الإسرائيلية المتبعة في تعميق العلاقة الاقتصادية مع السلطة.
وأوضح موسى، أن هذه الإجراءات "تأتي ضمن سياسة السلام الاقتصادي، الذي بدأ بتنفيذه شارون، وحرص أن تكون هذه السياسة قائمة ليست بين دولتيْن، ولا يُعطي الحق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية".
وقال المحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة النجاح الوطنية، إن الاحتلال سعى لأن تكون المناطق التي تخضع لسيطرته الكاملة داخل الأراضي المحتلة عام 1948، ملجأ للأيدي العاملة الفلسطينية، على أن تكون الأراضي الفلسطينية سوقًا استهلاكيًا للسلع والمنتوجات الإسرائيلية.
ولفت إلى أن المآرب الإسرائيلية من وراء هذه التسهيلات لم تقتصر على الأهداف الاقتصادية، بل إن الاحتلال سعى لتحقيق مصالح سياسية له ترتكز على الحفاظ على الهدوء بالمنطقة.
وذكر أن أجهزة الاحتلال الأمنية ترفع بشكل مستمر تقارير للمستوى السياسي في دولة الاحتلال حول تطورات الأوضاع الأمنية، ومدى إمكانية تدهور الأمور وخروجها عن نطاق السيطرة.
وأشار إلى أن "الأمن الإسرائيلي" يوصي بين الحين والآخر بتنفيذ حزمة من التسهيلات الاقتصادية والتي تتضمن رفع حواجز وبناء مناطق صناعية، الأمر الذي يسهم في التخفيف من الضغوطات على المواطنين الفلسطينيين.
يذكر أن مصادر أمنية إسرائيلية، قالت إن اجتماعًا رفيع المستوى، عُقد الأربعاء، في مدينة رام الله، بين رئيس الحكومة رامي الحمد الله، ووزير المالية في حكومة الاحتلال موشيه كحلان ، تم خلاله مناقشة قضايا اقتصادية متعلقة بالأوضاع في الضفة الغربية المحتلة.
ونقلت وسائل إعلام عبرية، عن مكتب منسق جيش الاحتلال، أنه من ضمن تلك الخطوات، تمديد ساعات العمل في المعابر وخاصة في معبر "الكرامة"، الفاصل بين الأراضي الفلسطينية والأردن، بالإضافة إلى ترميم المعابر وإقامة منطقة صناعية بالقرب من معبر "ترقوميا" جنوبي الضفة الغربية.