لكل شخصية مميزاتها، ولها سياستها التي لن تكون صورة طبق الأصل عن الأخرى، وهذا ما يحاول رئيس الحكومة نفتالي بينيت أن يجسده أمام المجتمع الإسرائيلي، فهو يسعى لأن يقدم نفسه قائداً مختلفاً في السياسة العامة، وفي آلية اتخاذ قرار الحرب والتهدئة عن سلفه نتنياهو، متطلعاً بذلك إلى صندوق الانتخابات الذي لم يغلق فمه بعد.
بدأ نفتالي بينيت اتصاله بالعالم العربي من خلال التناغم الهاتفي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهذه نقطة اختراق تسجل لبينيت، أعقبها بلقاء ـ دون التقاط الصور ـ مع ملك الأردن عبد الله الثاني، ليتجاوز بذلك سلفه نتنياهو الذي أفسد العلاقة مع الأردن، وجاءت الخطوة الثالثة من خلال افتتاح وزير خارجيته مائير لبيد السفارة الإسرائيلية في دولة الإمارات، وهذه رسالة بينيت إلى المجتمع الإسرائيلي أن العلاقات مع الدول العربية ليست قرينة فذلكة نتنياهو، وألعابه السياسية، وإنما التطبيع مع الدول العربية إستراتيجية (إسرائيل) الساطعة، التي فرضتها الظروف الموضوعية، والمستجدات السياسية في المنطقة.
أما على صعيد العلاقة مع أمريكا، فقد جاءت زيارة وزير الحرب بني غانتس إلى أمريكا، واستقباله الفاخر مؤشرا على دعم الحكومة الأمريكية للحكومة الإسرائيلية الجديدة، أو تصحيح العلاقة التي حاول نتنياهو أن يفسدها بعد فوز بادين، واكتملت زيارة وزير الحرب بزيارة رئيس الأركان أفيف كوخافي لواشنطن، وما صدر من تصريحات عن نجاح الزيارة على أكثر من صعيد عسكري وتكنولوجي.
التآلف الحاكم الذي يقوده نفتالي بينيت ويائير لبيد وبني غانتس يعيش أياماً من التحدي الداخلي أكثر صعوبة لبقائه في الحكومة من التحدي الخارجي، ولكن نجاح هذا التآلف الداخلي مرتبط بالنجاح على الصعيد الخارجي، من هنا كان الحرص على إظهار التباين بين سياسة نفتالي بينت، وسياسة نتنياهو على صعيد الأمن الداخلي بالتحديد، لذلك كان التشدد في تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، وتعزيز القبضة الأمنية، وكان التشدد على جبهة غزة، التي بدت وكأنها النافذة التي سيطل منها التآلف الإسرائيلي الحاكم على الناخبين في المرحلة القادمة، فكان الربط بين إعمار غزة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وكان الربط بين فتح المعابر وإدخال المساعدات بإضعاف المقاومة، وتبهيت صورتها في عين الشعب الفلسطيني، إن لم تكن الرغبة الحقيقية الكامنة خلف هذا التشدد هو جر غزة إلى موجة جديدة من التصعيد العنيف، دون أن يكون للتصعيد علاقة بالقدس، وهذا ما تتحدث عنه عملية البرق الخاطف، والضربات العنيفة لغزة التي تطرق لها الإعلام الإسرائيلي.
البرق الخاطف خطة رئيس الوزراء ووزير الحرب اللذين كانا في يوم من الأيام وزراء حرب في حكومة نتنياهو، ويعرفان لماذا أحجم نتنياهو أكثر من مرة عن التورط في حرب استنزاف ضد غزة طويلة الأمد، ويعرفان جيداً أن قرار الحرب محكوم بموافقة المجلس الوزاري المصغر، الذي سيستمع إلى تقارير قادة الأجهزة الأمنية، رغم كل ذلك، فإن لوزير الحرب ورئيس الوزراء مصلحة حزبية في خوض معركة إرهابية ضد غزة، ترفع من أسهمهما، وتحط بالفشل الأمني السابق على ظهر نتنياهو، الذي سمح للأموال بالتدفق عبر الحقائب إلى غزة، وترك المقاومة الفلسطينية تتعاظم، حتى صار قصف (تل أبيب) يعادل قصف غلاف غزة.
قيادة (إسرائيل) الحالية راغبة في التصعيد مع غزة، وصوت الناخب هو المحرض لرئيس الوزراء ووزير الحرب لاختبار قدراتهما في اتخاذ القرار، وإدارة معركة طويلة الأمد، وإرهابية الطابع ضد قطاع غزة، ولا يلوح أمام أعينهما إلا الظهور أبطالا للمرحلة أمام المجتمع الإسرائيلي، مقارنة بنتنياهو المهزوم على بوابات غزة.