فلسطين أون لاين

تعرض للضرب المبرح من أجهزة السلطة لحظة معرفتها أنه شقيق الشهيد

تقرير مهند الحلبي.. اسم مفجر "انتفاضة القدس" لم يشفع لشقيقه محمد أمام "المقاطعة"

...
شقيق الشهبد مهند الحلبي (أرشيف)
غزة/ يحيى اليعقوبي:

اعترضت سيارةٌ تتبع للأجهزة الأمنية حافلته الصغيرة، بعدما توقفت أمامها بحركة اعتراض على طريقة أفلام الهوليود، ترجلَ سبعةُ أفراد يتقاذف الغضب من عيونهم، وفتح أحدهم الباب يهاجم "محمد" وشقيقه الطفل مصطفى (16 عامًا) وينعته: "أنت سكران شي؟!".. "سكران؟" كلمة تطلبت في رد محمد استحضار أفضل بطاقة مشرفة يرد بها: "أنا شقيق الشهيد مهند الحلبي، كيف بدي أكون سكران؟".

اعتقد محمد أن اسم الشهيد الذي يمثل رمزًا لانتفاضة "القدس" حينما نفذ عملية طعن فجر على أثرها الانتفاضة، وضحى بنفسه لأجل القدس والمسجد الأقصى، سيكون بطاقةَ عبورٍ من هذا الموقف، لكن حدث عكس ما توقع، فقد امتدت إلى وجهه ورأسه وصدره، أيدي العناصر الأمنية من زجاج حافلته وانهالت عليه بالضرب مدة خمسِ دقائق متواصلة.

بعد ذلك الاعتداء أصدرت الشرطة برام الله بيانا ادعت فيه أن محمد قام بـ "التفحيط" وإزعاج المواطنين فجر أول من أمس، لكن محمد الذي يروي تفاصيل ما جرى معه لصحيفة "فلسطين" عبر الهاتف يفند رواية الشرطة، ويعيد رسمَ الحدث من بدايته.

يقول محمد: "خرجت مع أخي الصغير مصطفى لإصلاح هاتفه المحمول، وعدنا الساعة الحادية عشرة مساءً وليس كما ذكر بيان الشرطة فجرًا، أقود حافلة صغيرة من نوع هونداي موديل "99" وهي قديمة لا يمكن التفحيط بها لو أردت، مررت من شارع الإرسال بالقرب من مقر المقاطعة على الجهة اليمنى من الشارع، ولاحظت دورية شرطية خاصة على الجهة اليسرى، ثم انحازت سيارتهم فجأة على الحافلة وارتطمت بالرصيف".

أضاء محمد غماز سيارته، وواصل مسيره غير آبه بما تعرض له من مضايقة، وأمام مقر المقاطعة اعترضته سيارة الشرطة، وانهال عناصرها عليه بالضرب بمجرد أن عرف بنفسه أنه شقيق الشهيد مهند، ولم تنتهِ الأمور هنا "أنزلوني من السيارة وكان عددهم سبعة أفراد وقيدوا يديَّ، أخذوا أخي بسيارة وركب اثنان منهم في سيارتي وأخذونا لمقر شرطة "البالوع".

على باب المركز ترك محمد دقائق أخرى مقيدًا، ثم عاد إليه الضابط وأخلى سبيله "لأنه شقيق مهند، بنعرف أنكم كارهون للسلطة" كما قال له، وزاد ضابط الدورية في منِّه على إطلاق سراحه "لو ضابط ثاني كان أعطاك تهمة اعتداء واعتراض دورية".

يعلق محمد على بيان الشرطة والحدث بتنهيدة تجمعت فيها كل معاني القهر: "عندما عدت للمنزل وشرحت الأمر لوالدي، ذهبنا وقدمنا شكوى بما تم، وطلبنا تسجيل الكاميرات لكون الحدث تم أمام المقاطعة، ليظهر للناس وقت الحدث وهل كنت أقوم بالتفحيط أو لا، كما أن البيان يتهمني بالسرعة، علما أنه لا يمكن لأحد زيادة سرعته على 50 كيلو مترا في الساعة، في ذلك الشارع لأنك تتحدث عن مربع أمني مليء بالإشارات الضوئية".

بلهجةٍ عاميةٍ عبر عن استيائه مما جرى معه: "كنت متوقع أنه لما أحكي أنا أخو الشهيد مهند الحلبي، من باب أن أبين أنني من عائلة محترمة ومعروفة ألاقي احتراما لكن شفت العكس، وشفت حقد بطريقة جنونية".

لحظات الفقد تتجدد

في المنزل، احترق قلب والدته سهير الحلبي وهي تحاول الاتصال مرة بعد أخرى على ابنها محمد، على مدار وقت الحدث دون معرفة أي تفاصيل، لحظات أعادتها بذاكرتها إلى عام 2015م لحظة فقدان الاتصال بابنها الشهيد مهند، فتجددت مخاوف الفقد ورسمت سيناريوهات اجتاحت تفكيرها بشأن مصير نجليها محمد ومصطفى.

أطلقت والدة الشهيد مهند لحنجرتها المقهورة العنان في حديثها الهاتفي لصحيفة "فلسطين" احتارت في وصف ما تعرض له ابناها: "اعترضوا سيارة ابنيَّ، ثم لاحقوهما، وضربوهما ومزقوا قميص محمد، ونعتوه بـ "السكران" فدافع عن نفسه: "كيف سأكون سكرانا وأنا شقيق مهند؟ بالعكس بعد ذكر اسم شقيقه انهالوا عليه ضربًا، ثم قالوا له: أنتم تكرهون السلطة وتحبون حماس، فما دخل الشرطة في التنظيمات؟".

تقول: "نحن نحترم أنظمة السير والمرور وربينا أولادنا على ذلك، ثم لماذا يقوم الشرطي بضرب الناس والقانون يمنعه من ضرب المواطن وتقييده (..) لم يعرفوا أن هناك قلب أم يحترق، وهي تتصل عشرين مرة ولا يرد أبناؤها على الهاتف، وكان بالأولى أن يبلغونا أنهم معتقلون لدى الشرطة".

ما عاشته من توتر لا يفر من حديثها، بعفوية تستذكر اللحظة "صراحة كنت كتير قلقانة، خاصة أنه أول مرة ما يردوش علينا، وهاي نفس اللحظات اللي عشتها أيام مهند لما كنت أرن عليه وما رد".

ترد على بيان الشرطة الذي اتهم أولادها بالتفحيط وإزعاج الناس والسير بوقت متأخر "هذا البيان كذب ونفاق، ونحن قدمنا شكوى في الشرطة، واليوم يتصلون بنا لحل الأمر حتى لا تكبر القصة، لكننا نريد أن نواجه الشرطة ونرى من هو المخطئ".

تدرك الحلبي أن إيصال القضية للقضاء قد لا يكون في صالح العائلة وأن حقها لن يعود إليها لأن "غريمها سيكون القاضي نفسه" في ظل تغول السلطة التنفيذية على القضائية.

"نحن أبناء بلد واحد مهما اختلفنا، لكن طريقة التعامل تجعلني أشك أن الاعتداء متعمد علينا" إضافة إلى ذلك كلما تحاول الحلبي إدخال البهجة على بيتها، يحاول الاحتلال تنغيص حياتها وملاحقتها، واليوم تتولى السلطة هذا الدور.