قائمة الموقع

المحرر هيثم سياج.. بجسد فاقد الوعي ابتلع "ضربات" عناصر السلطة

2021-07-11T09:08:00+03:00
المحرر هيثم سياج (أرشيف)

لم تعد للخطوط الحمراء الوطنية قدسية، ولا للأسرى المحريين مكانة أو رمزية لدى السلطة وأجهزتها الأمنية في الضفة الغربية المحتلة.

أسيرٌ محرر بدأتْ أولى مراحل اعتقاله لدى الاحتلال الإسرائيلي منذ الأربعة عشر ربيعًا، يعاملُ معاملة المجرمين، ويعذب ويعتقل ويلاحق، كأنَّ موازين المواجهة اختلفت.

هيثم سياج الذي تفوق سنوات اعتقاله لدى الاحتلال ست سنوات، وضع تحت ركلات أقدام أمن السلطة تنهال عليه الهراوات بلا هوادة ثم سحلَ إلى المركز، واستكملوا هناك ضربه فأغمي عليه ونُقِل لمستشفى رام الله هو وصديقه "باسم مرعي".

وهناك أعلن هيثم إضرابه عن الطعام ورفض تلقي العلاج، وأمضى خمسة أيام معتقلًا في "سجن البالوع" بمدينة البيرة.

الحدث: الأهالي يتجمعون أمام مركز "شرطة البالوع" برام الله ويرددون هتافات تطالب بالإفراج عن أبنائهم المعتقلين بسبب مشاركتهم في مسيرة رافضة لاغتيال الناشط نزار بنات.

ووجد "هيثم" ركنًا بين صفوف الأهالي يحاول الاطمئنان على صديقه المعتقل.

داس هؤلاء العناصر تاريخ الأسرى في كل ركلة ضرب فيها جسد "هيثم"، وألقوا قوانين حقوق الإنسان والقوانين الفلسطينية التي تمنع انتهاك كرامة الإنسان وراء ظهورهم.

حنجرته المحشوة بالقهر، تحرك تفاصيل خمسة أيام أمضاها معتقلًا في "سجن البالوع" استمعت "فلسطين" إلى تفاصيل ما عايشه فيها عبر الهاتف، فيقول: "كنت أصطف بين المواطنين وأتجمهر أمام السجن للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وبينما كنت كذلك، جاء أحد الضباط وحاول سحبي من يدي فأفلتها، وتراجعت للخلف، ثم تبعني عناصر من جهاز المخابرات وقد كان معي صديقي وانهالوا علينا بالضرب".

تجمع حوله العساكر يضربونه من كل اتجاه، كانوا يضربونه ويركلونه بكل قوة، حتى فقد الوعي ولم يعد يشعر بالضربات، لكنه شعر بأيدٍ تسحله على أرضية الشارع الخشنة، ويحتك جسده وملابسه التي تمزقت بأرضيته.

نقلوه بمركبة عسكرية إلى "سجن البالوع"، وهناك كانت جولة أخرى من الضرب، يدخل في قلب تفاصيلها: "رأيت السجن مكتظًّا بالمعتقلين من الشباب والفتيات والرجال، وأدخلت إلى غرفةٍ ثم جاء شرطي وضربني بكف يده على وجهي بكل قوة، وتبعهُ عناصر أمن آخرون انهالوا عليَّ، شعرت أحدهم وهو يضربُ رأسي بالحائط حين كنت فاقدًا الوعي، والعصي تنهال على جسدي وتتبعها الأقدام والأيدي".

"هيثم الذي فقد الوعي ابتلع الضربات بصمت، فمن بالخارج لم يسمعوا سوى أصوات ركلات الأقدام، حاولت بعض الصحفيات والناشطات التدخل كي ترأف عناصر الأمن بحاله هيثم لكنهن هددن بأن يضربن".

"بالمشفى استيقظت، بعد ليلة لم أشعر بها لكني رأيت آثار الكدمات والضرب، علمت من الطبيب أنه هناك كسورًا بالأضلاع ومشكلات في الكبد وتكتلًا في الدم، لكني رفضت تلقي العلاج"، يقول هيثم.

قوات خاصة يتجاوز عددهم عشرين فردًا دخلوا إلى غرفته وهو ممددٌ على السرير لا يقوى على الحركة، يضيف: "بالمشفى نقلت إلى مقر شرطة البالوع، أحمل أوجاعي فلم أتلقَّ العلاج".

إحباط مخطط

داخل غرفة تتسع لعشرين معتقلًا، وجد "هيثم" نفسه بين 40 معتقلًا جنائيًّا، كان وحيدًا بين هؤلاء الذين لاحقته نظرات عيونهم، وهنا فشل مخطط آخر لشرطة مركز البالوع كانت قد أحاكته ضده.

بنبرة صوت غاضبة يزيح الستار عنه: "فهمت من أحد المعتقلين الذي يعرف اسمي وقصتي، أن عناصر الأمن أخبروا السجناء عني وبأني قمت بتسريب عقارات للاحتلال، ربما بهدف إحداث اقتتال معهم أو إيذائي بأي طريقة كانت، لكن هذا الشخص شرح للسجناء قصتي قبل دخولي السجن فأحبط المخطط".

هيثم سياج اعتقل لدى الاحتلال عام 2014 مدة خمسة عشر شهرًا، والاعتقال الثاني كان لدى السلطة لمدة ستة شهور، وفي اعتقاله الثالث اعتقل مدة عامين وأمضى ثلاثة أحكام إدارية لدى الاحتلال، أما الاعتقال الرابع فأمضى أربعة أحكام إدارية بمعدل عامين أيضًا.

ست سنوات من عمره أذهبتها السجون، لم تشفع له أمام "همجية أجهزة السلطة التي داست تاريخ الأسير المحرر".

حرية معدومة

عن حرية الرأي والتعبير، تسمع تنهيدة "هيثم" واختناق صوته في رده: "الحرية بالضفة معدومة، هناك بطالة، خريجون لا يجدون عملًا، انتهاكات واعتداءات إسرائيلية، وعنجهية من السلطة، وكل ذلك يؤدي إلى ضغط".

هل توقعت أن يُتضامن مع قضيتك كثيرًا؟ شقت ابتسامة طريقها في صوته وأسرج تحياته لكل من تضامن معه قائلًا: "ذهبت للتضامن مع المعتقلين الذي اعتُقِلوا بسبب مشاركتهم في وقفة احتجاجية رافضة لاغتيال نزار بنات، وكنت أعلم أنه سيتم قمعنا (...) بعد اعتقالي، ومن ثم الإفراج عني، لم أتوقع أن يحدث كل هذا التضامن مع قضيتي من أناس كثيرين ونشطاء ومؤثرين، فكل الحب لهم".

داخل غرفة التحقيق، أعادته الذكريات للحظات اعتقاله عند الاحتلال، عناصر تحقيق وغرفة مغلقة، واتهامات "ملفقة" بأنه ضرب عساكر ثم جلبوا له منشورًا يهاجم فيه الاحتلال ادعى المحقق أن صفحته مكتوب فيها: "وجود السلطة فقط لحماية الاحتلال، والأفضل أن نختصر الطريق ونتظاهر أمام بيت "ائيل""، إلا أن هيثم لم يعترف بأنها صفحته.

يعود هيثم بذاكرته لطفولته حينما خطت أولى مراحل الثورة نفسها واشتعلت في قلبه وبقيت موقدة إلى اليوم لم تنطفئ: "عندما كنت صغيرًا كنت كلما ضربت حجرًا على مركبات جيش الاحتلال أنتصر لمشاعري، فكان شعورًا جميلًا جدًّا لم أفهم أو أعي كثيرًا عن الشهداء والوطن في تلك المرحلة".

ويختم: "لكن مع الوقت أصبحت أواجه الاحتلال لأجل الوطن والدين، وبدأت تكبر أفكاري معي، وأصبح حب الوطن عقيدة".

اخبار ذات صلة