واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي سياساتها العدوانية بحق (ذوي منفذي العمليات)، فلم تكتفِ بتصفية المنفذين أو اعتقالهم والحكم عليهم بأحكام مؤبدة، بل سعت لتوسيع دائرة الأفعال الانتقامية لتصل إلى هدم المنازل وإبعاد عائلاتهم في محاولة يائسة لوقف زخم العمليات في الضفة الفلسطينية وردع كل من يفكر بأي عمل فدائي ضد الاحتلال.
يجري ذلك على أعين السلطة الفلسطينية والنظام العربي والإدارة الأمريكية والأوروبيين دون أن يتخذوا مواقف ضد الاحتلال، فالسلطة مثلًا لم يدفعها هذا الإجرام الإسرائيلي لوقف التنسيق الأمني ووقف الاتصالات مع قيادة الاحتلال وكل أشكال التعاون.
كما أن النظام العربي لم يبدِ أي استهجان للفعل الإسرائيلي ولم يتخذ خطوات على الأرض من شأنها منع الاحتلال من الاستمرار في سياسة العقاب الجماعي، ألم يكن من الضروري أن تتوقف العلاقات الدبلوماسية والاتصالات السياسية مع الاحتلال "كإشارة عملية على الاحتجاج" في ظل تنامي أشكال العدوان التي كان آخرها هدم منازل الفلسطينيين.
وحتى الإدارة الأمريكية فإنها حتى الآن لا تتبنى أي (مواقف منصفة أو عادلة) تجاه الفلسطينيين فنحن لا نريد من هذه الإدارة الجديدة أن تشعر بالقلق من هدم المنازل ولا يكفي تصريحات وزارة الخارجية وغيرها من المؤسسات الأمريكية، فالفعل الإسرائيلي لن يتوقف في ظل ردود الأفعال "الخجولة والبروتوكولية"، فإذا كانت هذه الإدارة تتبنى الديمقراطية وتسعى لإحلال السلام في المنطقة فإن ذلك يفرض عليها تغيير سياساتها تجاه كيان الاحتلال.
وإلا فإنها ستبقى متورطة في كل الجرائم التي تقع على الفلسطينيين لأن الاحتلال يتصرف تحت مفهوم (الدولة المارقة) بمعنى أنها فوق القانون ولا يعنيها النظام الدولي ولا تلتفت لكل القواعد والمعاهدات والمواثيق الدولية في ظل حصولها على دعم سخي من الولايات المتحدة في كل المجالات.
أما الأوروبيون دعاة الحقوق والحريات فإنهم وعلى الرغم من حرصهم على وقف الانتهاكات في مناطق مختلفة في هذا العالم، واتخاذهم خطوات عملية تجاه الكثير من البلدان، فإنهم يتراجعون أمام العنجهية الإسرائيلية، ويكتفون بخطوات محدودة ليست ذات أثر على الاحتلال، وفي أكثر مواقفهم يكون ذلك عبارة عن عبارات لا تتخطى لغة الاستنكار والشجب ولا تحمل أي دعوة لمعاقبة الاحتلال.
وبالتالي فإن هناك (تواطؤًا مركبًا) ما بين فريق من الفلسطينيين والعرب والأمريكيين والأوروبيين، ولو كان الواقع غير ذلك لتوقفت إسرائيل عن هذه السياسة بعد هدمها أول منزل، وتهجيرها أول عائلة في الضفة الغربية أو القدس، ولا يمكن لنا أن نخدع بالمواقف الشكلية التي تظهر بشكل مكرور لتثير حالة من "السخرية والتقزز" من جهات أصبحت تنقاد لمصلحة الاحتلال.
فالفلسطيني وحده يقاتل في هذه الأرض ويسير في صحراء قاحلة دون أن يمده أحد بشربة ماء تقويه على مواصلة الطريق أو تحمُّل مشقة السفر، الا القليل من الزاد الذي يصل مهربًا من بعض الأحرار الذين يودون أن ينالوا قسطًا من الكرامة والشرف بعد أن منعتهم الأنظمة من مساندة هذه القضية بصورة رسمية.
لذلك فهو القادر وحده على مواجهة هذه السياسة وقد بدى فعلا أنه قادر على إفشالها وتمثل ذلك من خلال: مواصلة العمليات الفدائية وزيادة زخمها وقوتها وانتشارها في كل المناطق، وأيضًا من خلال احتضان (ذوي الفدائيين) عبر استضافتهم في أماكن بديلة وجمع الأموال اللازمة لإعادة الاعمار، وقبل كل ذلك تحويل أي حدث لهدم منزل لثورة ومواجهة مفتوحة مع قوات الاحتلال في تلك المناطق.
لكن ذلك وعلى عظمه فإنه غير كافٍ فنحن نريد توثيق هذه الجرائم بالصوت والصورة وإبقاءها أولًا منتشرة وحاضرة في الفضاء الإعلامي، وثانيًا أن تبقى على طاولة القيادة في جولاتها الخارجية مع القادة والزعماء والمنظمات الدولية، وأن يتزامن ذلك مع رفع دعوات قضائية دولية من أصحاب المنازل طرف الجهات القضائية الدولية، وأن يكون هناك سعى للحصول على قرارات دولية بتعويض الفلسطينيين عن هذا الضرر.
لأن بقاء الاحتلال على هذه السياسة دون رادع هو كارثة يجب أن تتوقف، وأنه من غير المقبول أن تبقى "يداه مفتوحتين" لمزيد من الخراب والدمار، وعليه فإن مواجهة سياسة الهدم تحتاج جهدا متكاملا تتشابك فيه كل المكونات إعلاميًّا، وسياسيًّا، ودبلوماسيًّا، وحقوقيًّا، واجتماعيًّا، ودوليًّا لوضع حد لهذه الجرائم ومعاقبة الاحتلال على جرائمه وممارساته العدوانية التي ترقى جميعًا إلى مستوى الجرائم الدولية.