وقف أمام قاضي المحكمة يذكره بالحقيقة التي يحاول تجاهلها: "سُجنت ثماني مرات لدى الاحتلال الإسرائيلي، واستُشهد اثنان من إخوتي، وأصبت عدة مرات منذ الانتفاضة الأولى، لكنني لم أشعر بالظلم الذي أشعر به هذه الأيام".. تأمل القاضي الكلام وأقفل قلبه عما سمعه، كأنَّ الجدرانَ ابتلعت ما قاله غسان السعدي المعتقل لدى أجهزة أمن السلطة بالضفة الغربية المحتلة.
والسعدي (53 عامًا) ناشط يحاكَمُ أمام القضاء بتهمة المشاركة في تجمع ومسيرة منددَيْن بجريمة اغتيال أجهزة أمن السلطة صديقه الناشط والمعارض السياسي نزار بنات.
لم يتأخر رد القاضي كثيرًا، فأصدر قرارًا بتمديد اعتقاله حتى انتهاء التحقيق، متجاهلًا تاريخ السعدي الثوري.
لا يقلُّ السعدي عن الشهيد المغدور بنات في نشر مقاطع مرئية تطالب بإصلاح مؤسسات السلطة الرسمية، وإنهاء الفساد، خاصة بعد كشف اتفاقية اللقاحات الفاسدة التي كادت السلطة أن تبرمها مع الاحتلال.
وترشح السعدي عن قائمة "طفح الكيل" لخوض غمار الانتخابات التشريعية التي عطلها رئيس السلطة محمود عباس، ويعدُ من الفتحاويين الأوائل، وهو أسيرٌ محرر.
كل ما سبق لم يشفع له عندما شارك السبت الماضي في وقفة في رام الله تندد باغتيال بنات وتطالب بمحاكمة المتورطين في الجريمة، وبينما توجه للحافلة بعد انتهاء الفعالية ليغادر مكان التجمع السلمي الاحتجاجي، سحبه عناصرُ من أجهزة أمن السلطة وانهالوا عليه ضربًا على مرأى الناس.
بحلقة دائريةٍ كما يوثقها مقطع مرئي، تجمع أفراد الأمن حوله، وأصبحَ جسدهُ متواريًا عن عدسةِ الكاميرا التي تسجلُ الحدث، إذ كانت الركلات تنهال عليه وتتقاذفه بكل استهتار بحقوق الإنسان.
إضراب عن الطعام
ستة أيام مضت على اعتقال السعدي الذي شرع في الإضراب المفتوح عن الطعام منذ اليوم الثاني لاعتقاله، تشعرُ بعمق الغضب الذي يرافق حنجرة شقيقه صالح، وهو يقول لصحيفة "فلسطين": "أخي غسان معتقل حاليًّا بقرار سياسي من مستويات عليا، لأنه يعلي كلمة الحق وينشر الحقائق عن فساد وفضائح السلطة".
لحظة اعتقاله اعتقد شقيقه أن غسان لدى قوات الاحتلال الخاصة، يصف ذلك: "طريقة خطفه كانت كما تفعل قوة المستعربين الإسرائيلية، خطفوه وهم يرتدون ملابس مدنية بعد انتهاء الاحتجاجات، نحو ثمانية أشخاص اعتقلوه وخطفوه بسيارة، حتى أن شهود عيان توقعوا أن قوات خاصة إسرائيلية قد اعتقلته، لكننا من خلال محامين علمنا أنه موجود لدى مباحث رام الله بتهمة قذف مقامات عليا، والتجمهر، ومعاندة رجال الأمن".
غاب صوته بين أنات القهر قبل أن يضيف: "أخي غسان من أوائل المصابين بالانتفاضتين الأولى والثانية، وهو من قيادات فتح القدامى، لكن للأسف شرفاء فتح ومن يتحدثون عن الواقع الفلسطيني يبقون مهمشين وصوتهم غير مسموع، كان يوصل صوته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكنهم اعتقلوه بسبب حقدهم عليه ولأنه يعبر عن رأي الوجع الفلسطيني".
والسعدي متزوج ولديه ستة أبناء (ولدان و4 بنات)، وهو صاحب مقهى "دمشق" ومطعم "حلب"، ورسامٌ أيضًا.
وضع صحي صعب
انتقد السعدي سلوك السلطة في إدارة شؤون الحياة، لكن "أصحاب المقامات العليا" كما جاء في التهمة الثانية لم يرُق لهم ذلك، وعدوه قذفًا لمقاماتهم الرفيعة.
وكانت محكمة صلح رام الله قد قررت الإفراج عن السعدي بكفالة عدلية في الشكوى المقدمة ضده من النيابة العامة ممثلة عن وزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني، بتهمة الذم، وقد نُسب له منشورات على "فيس بوك" ينتقد فيها مجدلاني، إلا أن المحكمة أبقته معتقلا بتهمة أخرى.
"أخي فتحاوي أصيل ومرشح عن كتلة طفح الكيل، تشهد له جنين في العطاء الوطني، نخشى على حالته الصحية، فقد أمضيت معه مدة في السجن لدى الاحتلال وخلالها تعرض لسكتة قلبية، والآن هو مضرب عن الطعام"، خشية شقيقه تتحول لمطالب للمؤسسات الحقوقية.
يضيف: "نحن نتعرض لعملية قمع ليست طبيعية، نشعر أننا في دولة بوليسية، والمطلوب من أحرار فلسطين الوقوف مع قضية غسان ومساندته حتى لا نسمع عن نزار بنات آخر".