قائمة الموقع

​أم الشهيدتين:نشتاق إلى "روحيهما" على مائدة رمضان

2017-06-03T07:59:11+03:00

صوت ضحكاتك _يا "نرمين"_ لا يزال يرن في أذني، كيف أنسى آخر ليلة قضيتها معنا والقذائف تنهال فوق رؤوسنا، وكلٌّ يرتعد من شدة الخوف، وأنت تمازحين كلًّا منا لتكسري لحظات الرعب؟!، كيف أنسى تشوقك إلى إنهاء "جهازك" لتزفي إلى خطيبك بعد العيد الذي لم يأتِ؟!

"فداء"، بل "فدا" كما أحب أن أناديك ووالدك، كيف أنساك وأنت الهادئة الرزينة المطيعة؟!، لا أنسى كيف كنت "شيلانا" على كفوف الراحة لا تردين لنا طلبًا، كيف أنسى حينما كنت ترفضين أن أعمل شيئًا في البيت، وأجدك فجأة تحملين "صينية الأكل" حتى سريري؟!

أتذكرين _يا "نرمين"_ صبيحة فاجعتي باستشهادك واستشهاد أختك "فدا" في 20/7/2014م، الذي وافق 22 من رمضان، إذ كنا نهرول بلا وعي لكي لا تطالنا قذائف الغدر الإسرائيلية، نبحث عن مكان آمن، مع أن كل الأماكن في غزة طالها شبح الموت؟

في كل لحظة أتذكركما، ولا تهدأ دموعي يا فلذتي كبدي، لم أرد ترككما وحدكما، ولكنك ألححت علي _يا "نرمين"_ بأن أعود لكي أجلب "شبكتك"، فكانت تجليات القدر في أن أعود أدراجي مع أبيك وبعض إخوتك، وما هي إلا خطوات بعدنا فيها عنكما لتأتي قذيفة غدر تزفين بعدها شهيدة، بدلًا من أن تزفي "عروسًا" إلى خطيبك.

أهمس في أذنك _يا "نرمين"_ أنني يوميًّا أتفقد "جهاز" عرسك، وأشتم رائحتك فيه، دموعي لا تهدأ؛ فقد خطفوك مني، كنت أحلم باليوم الذي ينادونني فيه بـ"أم العروس"، أريد أن أخبرك بأن الأكلات التي كنت تحبينها أصنعها وأوزعها عن روحك، والسكاكر المغرمة بها أشتريها وأوهبها لروحك.

"فدا" و"نرمين"، اشتقت إليكما يا أغلى من روحي، لقد كسر ظهري إلى الأبد من بعدكما يا ابنتي، جاء رمضان الثالث وروحاكما غائبتان عن مائدته، كل يوم أتخيل أنكما تجلسان بجواري، وأنتما توزعان الأكل الذي طبختماها بحب وبلا تأفف على المائدة الكبيرة لإخوتكما وزوجاتهم وأبنائهم.

حبيبتي "نرمين"، لعلك تذكرين مذاق آخر أكلة طلبتها مني (البيتزا، واللحم بعجين، ومناقيش الزعتر وزيت الزيتون والفلفل الأحمر)، أتذكرين حينما قلت لك: "لا تأكلي فلفلًا" خوفًا على صحتك، أجبتني كأنك شاعرة بقرب فراقك لي: "خليني آكل إللي بحبه قبل ما أستشهد"، لحظتها انقبض قلبي ورددت عليك: "بلاش هالفال"، لتردي أنت بسلام نفسي غريب: "إنتِ كارهانة نستشهد؟!، مين بصح له يستشهد يما؟!".

ليتنا سمعنا كلامك حينما ترجيت والدك ألا نخرج من البيت خوفًا من أن تطاله القذائف، بعد أن خرج كل أهالي الحارة ولم يبق إلا نحن، قائلة له: "ما بيصر لنا إشي، خلينا في دارنا يابا"، ليتنا لم نخرج، خرجتم معي وعدت إلى البيت وحدي مع طيف روحيكما.

لا أنسى _يا "نرمين"_ ضحكاتك آخر ليلة لكِ بجواري، لا أنسى كيف كنت متشبثة "بالجوال" (الهاتف المحمول) طوال الليل تتحدثين إلى خطيبك، وكلما طلبت منك أن تنهي المكالمة رفضت، لم أكن أعلم حينها أنه سيكون آخر يوم يسمع فيها صوتك.

أريد أن أخبرك بأن خطيبك لا يمر رمضان دون أن يأتيني فجأة، حاملًا صناديق السكاكر والموالح التي كنت تعشقين، طالبًا مني أن أوزعها عن روحك، لا يزال يتذكر ما تحبين من المأكولات، يجلب مكوناتها ويطلب مني إعدادها وتوزيعها، وكذلك لا يمكن أن يأتي العيد دون أن يطرق بابي قائلًا: "زوجة خالي، جلبت لكِ الكعك والمعمول، لكي توزعيهما عن روح نرمين".

كنتِ كالفراشة تحومين بالفرح بين المفزوعة قلوبهم من حمم الحقد الإسرائيلية، طلبتِ قبل ساعات من رحيلك من كل النساء في بيت خالك بأن يلففن "الشالات" على شعرهن بطريقة جميلة، لكي يكن بأبهى صورة حينما يستشهدن.

تذكرين حينما طلبت مني "ذرة" إذ كان الخروج لشرائها في أيام الحرب يعني الموت، مع ذلك خاطرت وذهبت واشتريت لك "كوز ذرة"، عرفت بعد رحيلك أنني لبيت لكِ ما في نفسك قبل أن تودعيني، حملته بين يديك في طريق هروبنا من البيت حيث بيت خالك، ولكنك من شدة الخوف لم تقضمي منه سوى قضمة، وبعد انقضاء الحرب وجدناه في مكانك ينتظر عودتك.

ما زالت ألهج باسميكما، وأبوكما كذلك، فحينما نريد أن ننادي على أختكما "منار" نناديها باسميكما: "نرمين"، "فدا"، كنتما عامود البيت، قبل أن نطلب الطلب نجده أمامنا، "فدا" لا يزال أبوك حتى الآن ينادي عليك، لأنك كنت الأقرب إلى قلبه، تطيعينه وتفهمين عليه دون أن يتحدث.

"فدا" و"نرمين"، كل زوايا البيت تبكيكما، مع مرور ثلاث سنوات على استشهادكما، "أشتاق" إليكما يا أماه، كنتما "راحتي"، أشتاق أن نتسامر ونتمازح معًا كما كنا، أشتاق إلى لمساتكما في إعداد وجبات الإفطار، اشتقت أن أعد لكما البيتزا والفطائر التي كنتما تحبان، أشتاق إلى كلمة "يما" لكي تعيد إلي الروح.

فداء ونرمين رفيق عياد من حي الزيتون، استشهدتا في 20/7/2014م، في قصف إسرائيلي طال شارع المنصورة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، في مجزرة دامية طالت نحو 13 شخصًا من عائلة عياد، في اجتياح الشجاعية في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.

اخبار ذات صلة