يجزم اختصاصيون اقتصاديون أن السلطة في رام الله مُقدِمة على أزمة مالية في ظل ارتفاع عجز الموازنة العامة وتراجع التمويل الدولي، وسط ترجيحات أن يسهم هذا العجز بتقليص السلطة من إنفاقها على فاتورة الرواتب والنفقات التشغيلية الأخرى.
ودعا الاقتصاديون السلطة إلى اتّباع سياسة مالية سليمة تتواءم مع وضعها الراهن، والعمل على تقليل حجم النفقات العالية، ووضع حد للتعدي على المال العام.
وكان وزير المالية في حكومة رام الله شكري بشارة، أعلن أن عجز الموازنة بلغ (470) مليون دولار في النصف الأول من العام الحالي، وحذَّر من تزايد الصعوبات المالية للحكومة، في وقت تقترب مدفوعات المانحين من الصفر.
وطالب بشارة المانحين بالمساعدة في تسوية الملفات المالية العالقة مع سلطات الاحتلال، التي قال: إن تسويتها توفِّر إيرادات إضافية للسلطة بمقدار (500) مليون دولار سنويًّا.
وقال الاختصاصي الاقتصادي د.نور أبو الرب: إن السلطة بنت موازنتها السنوية على أنها ستتلقى تمويلًا دوليًّا قيمته نحو 700 مليون دولار، لكن منذ بداية العام وحتى الآن لم تتلقَّ السلطة أي تمويل عربي أو دولي يغطي هذا التوقع.
وأوضح أبو الرب لصحيفة "فلسطين" أن هذا التحدي جعل السلطة أمام واقع مالي قد يدفع بها إلى تقليص نفقاتها الشهرية وتأجيل الالتزامات المالية الأخرى تجاه حقوق الغير.
وبيَّن أن السلطة في موقف ضعيف حاليًّا إذ إنها لا تستطيع التوجه للاستدانة المحلية عقب ارتفاع حجم ديونها بعد أن لجأت إلى البنوك المحلية كوسيلة خلاص عقب أزمة المقاصة وتداعيات جائحة كورونا.
وبحسب وزارة المالية في رام الله فإن مجمل المساعدات التي تلقتها الخزينة الفلسطينية، منذ بداية العام حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي، بلغ 30 مليون دولار فقط، أقل بنسبة 90 بالمئة من 210 ملايين دولار كانت متوقعة في قانون الموازنة للنصف الأول من العام.
وجدد أبو الرب تأكيده ضرورة أن تحتكم السلطة لخطة إستراتيجية في إدارة المال العام، وأن تُقيِّم خطتها أولًا بأول حتى تخرج من الأزمات الاقتصادية الراهنة.
سلوكيات خاطئة
وأكد الاختصاصي الاقتصادي د.معين رجب أن السلوك الخاطئ لإدارة المال العام هو من أوصل السلطة إلى هذا العجز.
وأوضح رجب لصحيفة "فلسطين" أنه من المفترض عند إعداد الموازنة السنوية أن تلتزم السلطة البنود المنظّمة لها من حيث تقدير النفقات والإيرادات قبل عدة أشهر من مناقشتها وإقرارها، "لكن السلطة تفعل ذلك في مارس من العام الجديد، وهذا سلوك خاطئ".
وقال: إن السلطة تبني موازنتها على أموال المانحين وهذا سلوك خاطئ أيضًا، حيث لا تملك السلطة أي إلزام للمانحين لتقديم أموالهم والتي تقدَّم في الغالب وفق أجندات سياسية.
وأشار رجب إلى أن السلطة حين تجد ذاتها أنها وقعت في أزمة مالية تتجه إلى الاستدانة المحلية من البنوك، "وهذا خطأ كبير حيث تكون السلطة قد عالجت الأزمة بأزمة وخلالها تأخذ البنوك قروض بنسبة فوائد مرتفعة وفترة سداد قصيرة".
وتبلغ مديونية السلطة للبنوك حاليًّا حوالي (2.3) مليار دولار، في حين بلغت (1.4) مليار دولار في 2019، حسب وزارة المالية برام الله.
ولفت رجب إلى الدور الرقابي الضعيف والهش على المال العام وادارته ومدى تسبُّب ذلك في ضياع الحق العام، مؤكدًا أهمية تفعيل المجلس التشريعي وإطلاع مؤسسات المجتمع على الموازنة، والحساب الختامي.
ويبلغ إجمالي الإيرادات العامة الفلسطينية في النصف الأول من العام الحالي 1.93 مليار دولار، مقابل نفقات تقارب 2.5 مليار دولار، وفق وزارة المالية.