فلسطين أون لاين

لابيد في أبو ظبي .. خطوة نحو تعزيز حلف المنبوذين

في السابق، قبل مغادرته مكتبه رئيسًا لوزراء (إسرائيل)، منع بنيامين نتنياهو أيًّا من وزرائه من التوجه إلى دولة الإمارات، بُعيد تطبيع العلاقات معها، قبل أن يقوم هو بنفسه بأول زيارة رفيعة المستوى إليها.

حينها كان هذا مؤشرًا على أهمية الخطوة الدبلوماسية التي يراهن عليها نتنياهو بزيارة كهذه؛ فالتطبيع مع دولة الإمارات كان يمثل درة التاج في الإنجاز الدبلوماسي لنتنياهو، إذ كان يأمل أن تمنحه بطاقة عبور هادئة إلى ولاية جديدة في رئاسة الوزراء، ولكن خاب ظنه.

بُعيد رحيله، بمدة وجيزة، زار وزير الخارجية الإسرائيلي في الحكومة الجديدة يائير لابيد دولة الإمارات، في أول رحلة خارجية له منذ تسلمه منصبه، وقد جرت العادة أن تكون الزيارة الأولى لأي حكومة جديدة تعبيرًا عن أهمية هذه الوجهة لها، وانعكاسًا لأبرز الملفات أو الأجندة التي سوف تضطلع بها في المدة المقبلة، ويبدو أن حكومة بينيت لابيد الإسرائيلية الجديدة تولي علاقتها مع دولة الإمارات أهمية كبيرة، كما كانت الحكومة السابقة تحت رئاسة نتنياهو.

تحمل الزيارة التطبيعية عدة رسائل متقاطعة، في البداية، وربما الأهم من بينها، محاولة (إسرائيل) أن تعيد للدبلوماسية زخمها من باب تحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي، وذلك في إثر المواجهات التي تحصل في الأراضي الفلسطينية، حيث أمعنت (إسرائيل) في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني: في القدس بعمليات التهجير القسرية ومصادرة الممتلكات أو تهديمها، وبالحرب الطاحنة على قطاع غزة واعتدائها السافر على المدنيين وتدمير البنى التحتية والأبراج، وسماحها المقصود لقطعان المستوطنين المتطرفين بالاعتداء على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في أراضي الــ48.

تحاول (إسرائيل) بالدفع نحو تعزيز أواصر التطبيع مع بعض الدول العربية الظهور بمظهر الدولة الطبيعية في المنطقة، والمحبة للسلام، والمستعدة لإعطاء الدبلوماسية وعلاقات حسن الجوار الفرصة لمزيد من "عمليات السلام"، التي من شأنها أن تنعكس إيجابًا على أمن واستقرار المنطقة، ولكن هذه الصورة سرعان ما تتحطم بالنظر إلى سياستها العنصرية والقمعية ضد الفلسطينيين، وحرمانهم الممنهج من حقوقهم بحياة كريمة على أراضيهم، ففي الوقت الذي كان لابيد يفتتح السفارة بتبريكات تلمودية واحتفالية توراتية؛ كانت معاول الآليات الإسرائيلية تهدم بيوت الفلسطينيين على رؤوسهم في القدس وضواحيها، هذا فضلًا عن الغارات الإسرائيلية المتقطعة على غزة، في اختراق صارخ لاتفاقية وقف إطلاق النار التي أبرمت بين (تل أبيب) وفصائل المقاومة الفلسطينية برعاية مصرية.

على صعيد متصل تحاول (إسرائيل) بتعميق إجراءات التطبيع مع بعض الدول العربية -خصوصًا الإمارات- إظهار حالة الاستمرارية في مسار إستراتيجي، يبدو أنه متفَق عليه بغض النظر عن شكل الحكومة ومن يقودها، ويبدو هذا المسار متمحورًا حول تعزيز العلاقات مع الدول العربية وفق ترتيبات اقتصادية وأمنية، هروبًا من الاستحقاقات المترتبة على شروط الحل النهائي للصراع مع الفلسطينيين التي تفرض على (إسرائيل) الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الـ67، وتقاسم القدس، وعودة اللاجئين.

 

وتعبيرًا عن استمرارية هذا المسار كان لافتًا الشكر الخاص الذي وجهه لابيد في معرض افتتاحه السفارة لبنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على جهودهما في تذليل الصعاب نحو توقيع اتفاق أبراهام، الذي مهد الطريق أمام (إسرائيل) لإقامة علاقات دبلوماسية مع الإمارات والبحرين، وبعض الدول العربية الأخرى مثل المغرب والسودان.

في الأساس قام اتفاق أبراهام على منطلقين مُؤسِّسين، هما: إعادة دمج (إسرائيل) في المنطقة كدولة طبيعية باتفاقيات عسكرية وأمنية، وتشكيل تحالف عسكري بين (إسرائيل) والدول العربية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وللوصول إلى هذه الرؤية قفز عن ترتيبات الحل النهائي مع الفلسطينيين، إذ عملت الأطراف على اختزال حقوق الفلسطينيين بمجموعة من المتطلبات الاقتصادية والمعيشية، دون الالتفات إلى جوهر المشكلة، ألا وهو الاحتلال الإسرائيلي.

لقد تخلت بعض الأطراف العربية عن المبادرة العربية التي تفرض على (إسرائيل) إعطاء الفلسطينيين حقوقهم وحل الصراع معهم قبل أي عمليات تطبيع عربية معها، وهذا التوجه هو الذي تراهن عليه (إسرائيل) حاليًّا، فـ(إسرائيل) غير مستعدة وغير راغبة أبدًا في التوصل إلى حل مع الفلسطينيين، وهي التي تتجه يومًا بعد يوم إلى مزيد من التطرف الديني، ولذلك ونوعًا من الهروب إلى الأمام، والتهرب من استحقاقاتها دولة احتلال، تسعى إلى تعزيز حزام الحماية العربية لها بتعميق عمليات التطبيع، ففي السابق كان معيار التقارب مع (إسرائيل) أو البعد عنها ينبني على سياستها تجاه الفلسطينيين، اليوم لم يعد هذا المعيار قائمًا، على الأقل لدى بعض الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، وباتت قضايا أخرى هي المعيار، وعلى رأسها التعاون الاستخباراتي والاقتصادي.

من جانبها تحاول الإمارات بتسريع إجراءات التطبيع مع (إسرائيل) إيجاد بدائل جديدة لها لتنفيذ مشاريعها التوسعية في المنطقة، فبالعلاقة مع (إسرائيل) تضمن أبو ظبي عدم حصول أي فيتو أمريكي على تحركاتها الإقليمية، أيضًا العلاقة مع (تل أبيب) على الصعيدين العسكري والأمني من شأنها أن تغذي طموحات أبو ظبي في المنطقة؛ فالتعاون بينهما في المجالات الاستخباراتية والتدريبات العسكرية أصبح واضحًا بشكل لا لبس فيه، ويبدو أن علاقة الإمارات المتدهورة مع محيطها العربي تجعل من تقاربها مع (إسرائيل) حتمية سياسية لا رجعة فيها.

فتعزيز الإمارات تحالفها مع (إسرائيل) يأتي متزامنًا مع تقارير إعلامية تتحدث عن التوتر المتصاعد بين أبو ظبي والرياض في عدة قضايا، منها النفط، والتقارب مع قطر، والتطبيع مع (إسرائيل)، وإذا كان الجميع يعرف مقدار التحالف الذي كان يربط بينهما إبان ولاية الرئيس ترامب في العديد من الملفات كالحصار على قطر؛ فإن التوتر الحالي بين البلدين يعكس حاجة أبو ظبي إلى البحث عن بدائل يمكن الاعتماد عليها، ويبدو أن خياراتها محدودة جدًّا، لذلك لا ترى سبيلًا غير مسارعة الخطى نحو (تل أبيب).

لقد أخفقت الإمارات في حصار قطر، وباءت محاولاتها في تثبيت أركان حفتر في ليبيا بالفشل، على حين أن طموحًا في اليمن متذبذب إلى أبعد حد بسبب حالة الفوضى التي تعصف بالبلاد هناك، أما في تونس فمحاولاتها لإقصاء التيار الإسلامي عن السلطة ما زالت متعثرة.

في المحصلة نحن أمام حلف المنبوذين، فالإمارات تتمتع بسجل حافل من انتهاك حقوق الإنسان، ودورها في الثورات المضادة لا يخفى على أحد، ولذلك إن شعبيتها لدى الشارع العربي تكاد تكون في أدنى مستوياتها منذ استقلالها عن بريطانيا وقيام دولتها الحديثة، والأمر ذاته مع (إسرائيل) الدولة التي قامت على اقتلاع شعب بأكمله من أرضه واحتلاله، لذلك إن الطرفين المنخرطين في حلف كهذا لا يجدان أمامهما إلا تعميق العلاقة بينهما، وذلك مع إحساسهما المشترك بالنبذ من جوارهما الإقليمي، فعلاقات الإمارات مع عُمان، واليمن، والسعودية، وقطر متوترة، ومع الكويت فاترة، على حين أن علاقة (إسرائيل) مع أقرب الدول لها جغرافيًّا الأردن متوترة، في حين أنها في حالة حرب غير معلنة مع كل من سوريا ولبنان.

 

المصدر / فلسطين أون لاين