قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن الاحتجاجات التي أثيرت في الضفة الغربية بشأن اغتيال الناشط نزار بنات على يد الأمن الفلسطيني، قورنت بحالة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
ونقلت الصحيفة عن مراقبين أن اغتيال الناشط الفلسطيني يعكس الحكم الاستبدادي المتزايد للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
كما يعكس اغتيال الناشط بنات -وفق الصحيفة- القمع الصارخ للسلطة أكثر من أي وقت مضى على أي مظهر من مظاهر العملية الديمقراطية وحرية التعبير واستقلال القضاء والمنظمات غير الحكومية.
ونقلت الصحيفة عن وسام الحسيني (29 عامًا) مدرس رياضة اليوغا الذي قال إنه تعرض للضرب ورش الفلفل: "إنهم لم يعودوا يُخفون الأمر.. فهذا احتلال ثانٍ في الواقع، وليس حكومة".
وكان الحسيني، مثل كثيرين، مقتنعًا تمامًا بأن قتلة الناشط بنات كانوا من رجال الأمن الفلسطينيين في ثياب مدنية، ووصف السلطة الفلسطينية بأنها "جماعة دكتاتورية" فاسدة.
وتأتي الاحتجاجات، التي امتدت إلى مدن الضفة الغربية بما في ذلك بيت لحم والخليل، في وقت محفوف بالمخاطر بالنسبة لعباس.
وتشير "نيويورك" تايمز" إلى أن شعبية عباس المتضائلة تراجعت بالفعل منذ أبريل عندما ألغى ما كان يمكن أن يكون أول انتخابات برلمانية ورئاسية في الأراضي المحتلة منذ أكثر من 15 سنة.
وبحسب الصحيفة، فقد تلقى الرئيس الفلسطيني ضربة أخرى في مايو عندما خاضت حركة حماس، حربًا ضد "إسرائيل"، وتولت الدفاع عن القدس وأكدت قيادتها للقضية الفلسطينية.
وأعقبت الحرب التي تلت ذلك اعتقال عشرات من منتقدي السلطة في أنحاء الضفة الغربية.
خلال إحدى الاحتجاجات الأخيرة، سار المتظاهرون نحو مقر الرئاسة في رام الله وهم يهتفون "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو الشعار الذي ساعد على الإطاحة بالديكتاتوريين في الربيع العربي.
من جهته، قال مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خليل الشقاقي: عندما يشعر عباس بالتهديد فإن تسامحه مع المعارضة ينعدم".
وقال: "لم نصل بعد إلى الحالة كما هي في سوريا مثل حافظ الأسد أو عراق صدام حسين" في إشارة إلى الأنظمة الديكتاتورية سيئة السمعة".
وقالت نيويورك تايمز إن الفلسطينيين في الماضي كانوا يتظاهرون ضد "إسرائيل"، لكن اغتيال بنات والقمع القاسي للاحتجاجات التي أعقبت ذلك عززت إحساسًا متناميًا لدى الفلسطينيين بأن السلطة لم تعد أكثر من مجرد مقاول فرعي للاحتلال.
ويقول مدافعون عن حقوق الإنسان إن قانون الجرائم الإلكترونية الصادر في 2018 استخدم لتقويض حرية الكلام والمعلومات، حيث يسمح للسلطة بحجب المواقع الإلكترونية التي يمكن أن "تهدد الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة"، وقد تم استخدامه لإغلاق مواقع المعارضين السياسيين.
وقال إن مؤسسته وجدت صعوبة متزايدة في نشر النتائج في وسائل الإعلام الإخبارية الفلسطينية. وقال إنه عندما رفض الامتثال للوائح الجديدة، تم تجميد الحسابات المصرفية للمؤسسة.
حيث وجد استطلاع للرأي أجرته المؤسسة في يونيو أن 84 في المائة من الفلسطينيين يعتقدون أن السلطة يشوبها الفساد، ويشكو الكثيرون من سوء الإدارة والمحسوبية.
وفي أحد الأمثلة، تم تعيين معتصم محيسن، نجل مسؤول كبير في حركة فتح التي يتزعمها عباس، في منصب رفيع في وزارة الصحة حتى بعد اتهامه بالاعتداء على مدير مستشفى رام الله.
وفي مارس، استولت السلطة على بعض لقاحات كوفيد القليلة التي بحوزتها ووزعتها على الرتب العليا في الحزب الحاكم، ومقربين في وسائل الإعلام وحتى أقارب كبار الشخصيات، وفقًا لمسؤولين فلسطينيين.
وقال بعض الفلسطينيين إن السلطة، التي تتبع قواعد لعب قديمة في الشرق الأوسط تم تأطيرها حول الأمن مؤخرًا وتواجه جيلًا جديدًا ومتعلمًا ومتخصصًا في وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهته، قال شعوان جبارين، مدير مؤسسة الحق، وهي منظمة فلسطينية لحقوق الإنسان: "اليوم ليس الثمانينيات أو التسعينيات". "مع الوسائط الجديدة، لا يمكنك إخفاء أفعالك."
وقالت الولايات المتحدة، التي مولت ودربت وسلحت قوات الأمن الفلسطينية على مر السنين، إنها "منزعجة بشدة" من وفاة بنات، مضيفة في بيان: "لدينا مخاوف جدية بشأن القيود التي تفرضها السلطة الفلسطينية على ممارسة حرية التعبير من قبل الفلسطينيين ومضايقة نشطاء ومنظمات المجتمع المدني".
يذكر أن الاحتجاجات المناهضة للسلطة، التي امتدت حتى هذا الأسبوع، ضغطت على عباس للرد على وفاة السيد بنات، لكن قلة من الفلسطينيين يتوقعون أي تغييرات كبيرة وشيكة.