في عام ١٩٩٥م اتخذ الكونغرس الأميركي قرارًا بنقل سفارة أميركا إلى القدس. القرار لم تنفذه السلطة التنفيذية منذ ذلك الوقت وحتى تاريخه. في كل مرة يوقع الرئيس الأميركي قرارًا بتأجيل نقل السفارة ستة أشهر. التأجيل يتم حسب القانون الأميركي. في أميركا يخشون التداعيات السلبية التي قد يحدثها النقل، لأن للقدس وضعًا خاصًا عند العرب والمسلمين.
حين ترشح ترامب للرئاسة عن الحزب الجمهوري قدم للناخبين وعدًا بنقل السفارة إلى القدس، ولكن مصالح أميركا في المنطقة أقوى من الوعد الانتخابي، لذا فقد وقّع الرئيس ترامب (الخميس 1/6/2017) على قرار تمَّ بموجبه تأجيل نقل السفارة 6 أشهر أخرى، وهو المبدأ الذي سار عليه الرؤساء الأميركيون السابقون منذ اتخاذ الكونغرس قراراً بنقل السفارة عام 1995.
وهذا يُؤكّد أنّ المصلحة الأميركية لها الأولوية، خاصة مع الحديث عن نيّة الرئيس ترامب إطلاق عملية سلمية لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي في ضوء لقائه قادة عرباً ومسؤولين إسرائيليين وجولته إلى المنطقة، وعقد "القمة السعودية – الأميركية" مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي وجّه دعوات إلى قادة الدول العربية والإسلامية، حيث عُقِدَتْ "قمّة إسلامية عربية – أميركية"، وهي أضخم القمم التي تُعقد منذ فترة طويلة.
أميركا وإن كانت دولة عظمى، ومنحازة بشكل كبير (لإسرائيل) وتقدم لها أكبر حزمة مساعدات أميركية خارجية، إلا أن مصالح أميركا في المنطقة تبقى من العوامل الحاكمة في السياسة الأميركية.
وأحسب أن التأجيل نابع من أمرين: الأول رغبة ترامب بدعوة الطرفين إلى العودة للمفاوضات بغض النظر عن التفاصيل المتعلقة بهذه العودة، فقد استطلعت إدارة ترامب الموقف الفلسطيني والعربي فوجدته مع العودة إلى المفاوضات، ومن ثمّ يمكن أن تتم هذه العودة في وقت قريب، رغم تحفظ نتنياهو.
والأمر الثاني هو رغبة الرئيس ترامب بقلب المبادرة العربية بحيث يصبح التطبيع العربي الإسرائيلي أولًا، أي قبل الانسحاب، أو قل يكون التطبيع مدخلًا للسلام، وربما وجد ترامب وعودًا عربية مشجعة للتطبيع مع (إسرائيل)، وهذا أمر له أولوية على فكرة نقل السفارة، وإذا ما نجح التطبيع فإنه من السهل نقل السفارة لاحقًا دون تداعيات تذكر.
إن تأجيل قرار نقل السفارة لا يمثل انتصارًا للدبلوماسية الفلسطينية أو العربية، فالأوراق التي تمتلكها الدبلوماسية الفلسطينية ليست قوية أو مؤثرة في سياسة رئيس مثل ترامب يمارس القوة في الدبلوماسية ممارسة رجل الأعمال في إدارة الصفقات، حتى مع حلفائه من الدول الأوروبية، كما أظهرت ذلك سياسته من الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، مقترحًا إعادة التفاوض عليها رغم الرفض الأوروبي؟!
وفي ظني أن (إسرائيل) ليست قلقة من التأجيل، فهي توافق على ترتيب الأولويات كما تعرضها إدارة ترامب. إن حصول تطبيع مع دول الخليج بشكل علني مقدم عند (إسرائيل) على نقل السفارة، لذا نحن لا نكاد نجد ردودًا عدائية لسياسة ترامب من حكومة نتنياهو، ولكن نجد مطالب مستمرة بضرورة نقل السفارة، لأن النقل فيه اعتراف أميركي بضم القدس.