لقد مر على العدوان الأخير على قطاع غزة ما يقارب (45) يوماً، ولا يزال معبر كرم أبو سالم المعبر الوحيد لقطاع غزة المخصص للاستيراد والتصدير مغلقا من الطرف الإسرائيلي حتى الآن، الأمر الذي ينذر بتهديد كل القطاعات الاقتصادية لقطاع غزة بالخطر والانهيار، حيث تأتي هذه التهديدات في ظل أوضاع اقتصادية وإنسانية كارثية يعيشها سكان قطاع غزة منذ أكثر من (15) عاماً من الحصار والإغلاق، وما ترتب عنه من تقييد لحركة الأفراد والبضائع من غزة وإليها.
شكل الحصار والإغلاق الإسرائيلي المطبق على سكان قطاع حالة من الضيق والاختناق، التي لم يسبق لها مثيل على المستوى العالمي، حيث أرادت دولة الاحتلال الإسرائيلي من جراء هذه السياسة إخضاع الشعب الفلسطيني في غزة لسياساتها، من خلال العمليات العسكرية العدوانية والمستمرة على القطاع، كي تنال من عزيمته وتقضي على آماله وتطلعاته في نيل حقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، وللحد من قدرات الشعب الفلسطيني في غزة، وجعله مجتمعاً ضعيفاً، منهكاً، هشاً لا يقوى على المواجهة والمطالبة بحقوقه الوطنية في الاستقلال وبناء الدولة المنشودة وعاصمتها القدس.
إن حرية التصرف والتحكم في حركة المعابر تعد من معالم السيادة الوطنية، وهو الأمر الذي حرم منه الشعب الفلسطيني حتى بعد إبرام اتفاقية أوسلو، وبقيت (إسرائيل) متحكمة في حركة الأفراد والبضائع بحجج أمنية، وهي من تقرر في هذا الأمر على الرغم من وجود أطراف أخرى أوروبية كانت تشرف على المعابر مع الطرف الفلسطيني.
إن الانتعاش الاقتصادي يعتمد على التبادل التجاري الذي بدوره يستند إلى قدرة الناس والبضائع ومدى الحرية التي يتمتعون بها في مجال الحركة الحرة. إلا أن غزة طوال فترة الحصار البغيض كانت شبه معزولة عن الضفة الغربية والعالم. وهي ما زالت تعاني أزمة إنسانية فهي معزولة عن الأسواق، والبضائع، والخدمات، والموارد، والناس. لقد تأثر القطاع الزراعي كغيره من القطاعات الاقتصادية الحيوية في قطاع غزة، بعد العدوان الأخير على غزة، مما لحق به من جراء الإغلاق والحصار ونقص مستلزمات الإنتاج الزراعي شملت الأسمدة الزراعية بأنواعها، والمبيدات الزراعية، والنايلون الخاص بزراعة التوت الأرضي (نايلون التغطية)، وعدم توافر قطع غيار لصيانة مضخات المياه التي تستعمل في ري المزروعات، ومستلزمات إنشاء البيوت البلاستيكية (الهيكل الحديدي). ويتوقع في حال استمر إغلاق معبر كرم أبو سالم في الأسابيع القليلة القادمة، أن تتوقف معظم المشاريع الزراعية التنموية والإغاثية التي تنفذها المؤسسات المحلية العاملة في القطاع الزراعي بسبب عدم قدرتها على إدخال المواد المطلوبة للمشاريع مثل (الأعلاف للمواشي والأسمدة والبذور والأشتال والمواد المعدنية والبلاستيكية اللازمة للدفيئات والمدخلات اللازمة لآبار المياه ومزارع المواشي، والأسمنت ومضخات المياه الكهربائية......إلخ).
كما سيشهد القطاع الزراعي والمزارعون خلال الفترة القادمة نقصاً وارتفاعاً حاداً في أسعار المستلزمات الزراعية مثل شبكات الري بأنواعها، ومستلزمات ترميم الدفيئات الزراعية، وأصناف عديدة من الأشتال الزراعية.
إن استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم المنفذ الوحيد لقطاع غزة سيكون له تداعيات وآثار اقتصادية وإنسانية على ما يقارب 23،000 مزارع و43000 عامل في القطاع الزراعي، خاصةً مزارعي المحاصيل التصديرية وصغار المزارعين، الأمر الذي سيهدد السلة الغذائية التي باتت بالفعل في خطر إذا ما استمر هذا الوضع على حاله، ما يؤثر في الأمن الغذائي لسكان القطاع الذي فاق تعداد سكانه مليوني نسمة، وقد يؤدي استمرار إغلاق المعبر والقيود المفروضة على الحركة التجارية إلى انخفاض المنتجات الزراعية وبالتالي هجر المزارعين لمهنة الزراعة، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في قطاع غزة.
إن ربط سلطات الاحتلال فتح المعابر وإغلاقها بأي تطور سياسي أو أمني، يعد غير قانوني ويتناقض مع الاتفاقيات الدولية واتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد حرية الحركة والتنقل ووصول المستلزمات في الأوقات كافة.
وأمام هذا الوضع لا بد من اتخاذ إجراءات سريعة على المستوى الوطني، والعربي، والدولي؛ بهدف الضغط على (إسرائيل) لإيجاد حلول جذرية وملزمة للطرف الإسرائيلي وفق القوانين الدولية، باعتبار إبرام أي اتفاقية أو معاهدة باطلة بطلاناً مطلقاً إذا تم إبرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة واستخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة.
وعليه فإن معاهدات التسوية بين العرب و (إسرائيل) واتفاقيات المعابر تدخل في دائرة البطلان المطلق المنصوص عليه في القوانين الدولية، لأنها تبرم تحت تهديد باستخدام القوة مخالفة بذلك المبادئ العامة في القانون الدولي أي القواعد الآمرة في القانون الدولي العام، وكذلك مبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة.