دخلت قضية اغتيال المعارض السياسي نزار بنات بالضفة الغربية أسبوعها الثاني، في ظل مظاهرات شعبية مستمرة تنديدًا بالجريمة المروّعة، ما يؤشر على درجة احتقان الشارع الفلسطيني، وسخطه على سلوك السلطة وأجهزتها الأمنية.
وتواصل السلطة على الرغم من ذلك رفع هراواتها في وجه الشعب، حتى اتسعت رقعة القمع لتطال صحفيين وحقوقيين ونقابيين، في دليل أكيد على حجم الأزمة التي تمرّ بها قيادة السلطة، وعدم قدرتها على محاصرة الغضب، الذي يفسّر لجوءها إلى الاحتلال لتزويدها عاجلًا بوسائل قمع التظاهرات؛ بسبب "اقتراب نفاد مخزونها".
تحمل العبارة الأخيرة "دليل إدانة" واضحا ضد السلطة، أمام المنظمات والمؤسسات والهيئات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، بأنها استخدمت خلال الأيام الأخيرة كميات كبيرة من قنابل الغاز والصوت، واستنفدت كل مخزونها في قمع التظاهرات المناهضة لقتل بنات، وهي بذلك تقدم صورة عن حجم هذه التظاهرات التي احتاجت لكل هذا المخزون لقمعها، ويكشف في المقابل أنها كانت تراهن على قدرتها على الضبط والسيطرة واحتواء الموقف في غضون أيام قليلة.
يؤكد هذا الأمر ما ذهبت إليه أوساط أمنية إسرائيلية بأن السلطة وأجهزتها الأمنية أخطأت في تقدير الموقف لتبعات جريمة اغتيال بنات، بما يعني استباقًا أن أسلوب التصفيات الجسدية أصبح خيار السلطة في التعامل مع المعارضين لها، وأنه كلما اشتدت المعارضة أصبح القتل مباحًا، وأن كل من يشكّل خطرًا عليها يصبح هدفًا للتصفية.
طول هراوات القمع التي امتدت إلى الحقوقيين والصحفيين والنساء مؤشر على أحوال الديمقراطية وحقوق الإنسان في مناطق حكم السلطة، وهي بالأساس تعبير طبيعي لنظام قائم عمليًا على القمع.
جريمة اغتيال بنات كانت عود الثقاب الذي أشعل الغضب مما وصلت إليه المنظومة السياسية والإدارية بالضفة، كما أن صرخة الاحتجاج على الجريمة وجدت طريقها إلى الشارع نتيجة اعتقاد راسخ بوجود فساد في مؤسسات السلطة، وهو ما أظهره استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية -نشر في يونيو الماضي- بما نسبته 84% من شعبنا بالضفة وقطاع غزة.
جزء من تفسيرات الصورة القاتمة بالضفة، قد يكون شعور السلطة وقيادتها، خلال السنوات الماضية، بالتهميش والعزلة وفقدان الشعور بالذات، وانحصار الاهتمام والتواصل معها في الإطار الوظيفي والخدماتي، نتيجة عوامل عدة، واحد منها صعود نجم المقاومة الفلسطينية ونيلها الاعتبار السياسي المستحق، خصوصًا بعد معركة "سيف القدس"؛ الأمر الذي اضطرها كما يظهر لاستعمال القمع والاغتيال السياسي؛ كوسيلة للبروز وتأكيد الوجود والسيطرة، وتثبيت أركانها كجزء من إعادة تعريف نفسها، ولو بطريقة خطأ؛ نتيجة ضعفها في تأكيد هويتها بعكس ذلك، عبر برنامج وطني يعبّر عنها؛ لكن "انهيار الوطنية"، كان في رأي أحد الزملاء، ضرورة لبناء هذه السلطة واستمرارها.
تبني السلطة "لغة القمع" على نحو أكثر جرأة وبشكل فاضح، يعني أنها قررت عزل نفسها شعبيًا ووطنيًا على صعيد أكبر، وفسخ بقايا العقد الاجتماعي الذي يربطها بالمجتمع، ووضع الجميع في حرب مع الجميع، وهذا قرار خطر سيتشكل على أساسه مصيرها.