فلسطين أون لاين

"الهدم الذاتي".. "رجبي" يصنع نموذجًا في تهشيم قرارات الاحتلال

...
القدس المحتلة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

آليات الاحتلال الإسرائيلي تقترب من منزل عائلة الرجبي، تثير أصواتها الذعر لدى سهاد وأطفالها، التي وقفت على شرفة المنزل تراقب من كثب تقدمُ الآليات، يبحث طفلها محمد ببراءة عن إجابة لسؤاله: "ليش بدهم يهدموا محلنا؟".

على براءة السؤال احتارت الأم سهاد الرجبي في الإجابة، ليطرح سؤالًا آخر: "ليش بهدموا بيوتنا وما بهدموا بيوت اليهود (المستوطنين)"، فمررت الأم يدها على رأس ابنها غارسةً في قلبه الحقيقة التي تريد أن يكبر عليها بقولها: "هم عنصريون، ومحتلون لأرضنا، هاي الأرض النا مش الهم".

زوجها نضال الرجبي الذي رفض قرار "الهدم الذاتي" لمحله، ورفع راية المواجهة في وجه الاحتلال وقراراته الجائرة بحق أبناء الشعب الفلسطيني بمدينة القدس المحتلة، ذهب ليتصدى لتلك الآليات التي جاءت في الصباح الباكر الثلاثاء الماضي، متشبثًا بمصدر دخل عائلته حتى "الرمق الأخير"، إلا أن تلك القوات المدججة اعتقلته.

غرست الجرافة الإسرائيلية أنيابها في سقف المحل وبدأت في إحداث ثغرات متواصلة فيه، ثم كسرت أبواب مدخله الأمامي، وهشمت جدرانه التي تهاوت وتساوت بالأرض كوحوشٍ تهاجم فريستها. في الأثناء ترقرق الدمع في عيني زوجة الرجبي وهي ترى جرافات الاحتلال تهدم ذكريات العائلة في لمح البصر، ومصدر دخلها الوحيد.

40 مركبة عسكرية معززة بالوحدات الخاصة اقتحمت حي البستان في سلوان جنوب المسجد الأقصى، وطوقت الحي بالكامل لهدم محل "جزارة" لا تزيد مساحته على 40 مترًا، بعدما كانت بلدية الاحتلال في القدس قد أخطرت الرجبي قبل 21 يومًا لهدم محله بيديه، وما كان منه إلا أن ألقاه في "سلة المهملات".

أن يمسك أحد مطرقة وينهال على حجارة محله بيديه ويهشم جدرانه، مشهدٌ لم يتحمل الرجبي تنفيذه، فرفع راية المواجهة وفضَّل الاعتقال على تنفيذ أوامر الاحتلال، ليسنَّ سنة لأبناء القدس برفض جريمة "الهدم الذاتي".

 

تضييق الخناق

"عندما ترى بيتك أو محلك الذي يمثل مصدر دخلك، يهدم أمام عينيك من الذين يحتلون أرضك، فهذا لا تلخصه كلمات ولا توصفه أوجاع، منذ كنت طفلة في حي سلوان ثم أصبحت أمًّا ونحن نذوق كل أنواع العذاب، يضيق علينا الخناق وتفرضُ علينا ضرائب باهظة"، في صوت سهاد عبر الهاتف تنهيدة قهر وحسرةٍ على ما فعله الاحتلال بالعائلة.

ترثي محلها كمن فقد شخصًا عزيزًا: "كان مصدر رزق زوجي وعائلتنا، وكان أملنا ببقائه لأولادي حين يكبرون لكيلا يضطروا للعمل لدى الغرباء".

لكنها تبدي فخرها بما صنعه زوجها: "الحمد لله إنه ما هدم المحل بإيده، هو أول مقدسي يتحدى قرار الهدم الذاتي، وكان يقول هادا بيتي ما بهدم أي شي فيه".

تسحب ذكرياتها لمسلسل معاناة العائلة من الاحتلال "منذ كنت صغيرة ونحن نعاني، طوال الوقت يعتقل الاحتلال أبناءنا، اعتقل ابني أكثر من 10 مرات، والآن يعتقل ابني فادي (16 عامًا) مع والده ومددت المحكمة اعتقالهما إلى الجمعة (اليوم)".

ما بين اعتقال استمر 14 شهرًا إلى اعتقالات أسبوعية متفرقة بلغت في مجموعها مدة عامين، بدأت حلقاتها حينما بلغ ابنهما فادي السادسة عشرة من عمره، رغم أنه "مريض بالسكري، حرم من التعليم بسبب الاعتقالات، وكان الاحتلال لا يعطيه دواء المرض المزمن بانتظام، ما أثر في حالته الصحية".

 

الاعتقال المنزلي

ما يزيد على ثماني مرات اقتحمت قوات الاحتلال بيت الرجبي، وعاثت فيه خرابًا لاعتقال ابنهما "حربي"، مسلطة عليه سيف "الاعتقال المنزلي"، بحيث تكون الأم الحارس الذي يمنعه من الخروج من البيت، في شعورٍ مؤلم تواجه فيه الأم ابنها.

تعرض جانبًا من الألم "قبل هدم المحل التجاري أصدر الاحتلال قرارا باعتقال ابني منزليًّا، ولم يستطِع الخروج لحظة الاقتحام، وبسبب فترات الاعتقالات حرم من الدراسة، وفي إحدى المرات أبعدوه عن سلوان إلى بيت أخته خمسة أشهر".

اعتقل "حربي" في بداية الصف العاشر وإلى الآن لم يكمل تعليمه بسبب انتهاكات الاحتلال المستمرة بحقه، وها هو يمكث في "الاعتقال المنزلي" الذي لم يكُن سهلًا على قلب الأم الذي كبله الاحتلال بغرامة مالية بنحو 30 ألف شيقل حال أخلت بشروط الاعتقال، تضيف: "شعور قاسٍ، أن تمنع ابنك من الخروج من المنزل، وتمنعه من تنفس الهواء والحياة".

مع كل مساءٍ يخلد فيه الناس إلى النوم، تبقي عينا سهاد متيقظة لأي حركة آليات عسكرية أو اقتحام قوات الاحتلال الحي، تخشى تدمير بيتها الذي أخطره بالهدم، إلى جانب فرض ضرائب كبيرة تبلغ 1800 شيقل شهريًّا، بهدف تنغيص حياتهم والضغط عليهم ودفعهم للرحيل قسرًا.

ويمتد حي البستان على مساحة 70 دونمًا، ويعيش فيه 1550 مقدسيًّا يتوزعون على 109 منازل، هدم الاحتلال منها حتى الآن 10. ويتهدد حاليًّا خطرُ الهدم، بزعم البناء دون ترخيص، 97 منزلًا يقع 17 منها تحت قانون "كامينتس". وبناء عليه، أمهل الاحتلال قبل أيام أصحاب 13 منزلًا مدة 3 أسابيع لهدمها بأنفسهم. وهذه المنازل بالتحديد لا يمكن اللجوء بقضيتها إلى محاكم الاحتلال لوقف أو تأجيل هدمها، وانتهت المهلة المحددة لأصحابها في 27 يونيو/ حزيران الماضي.

المصدر / فلسطين أون لاين