لم يعد في جعبة رئيس حركة فتح محمود عباس ولجنته المركزية الكثير من الخيارات في المنعطف الحالي ليُبنى عليها لاحقا، فخيارات الاستفراد السابقة والقتل والديكتاتورية الحالية لن يكونا مسار الخط القادم لهم؛ فالخيارات تتجه إلى الخيارات التالية:
الخيار الأول: نحو زيادة الإقصاء والاستفراد؛ ما يعني أن شهية الانقلابات الداخلية في فتح ستزداد زيادة متسارعة نظرا لوجود غنيمة، وهي السلطة التي لا تحكمها تشريعات ولا تفاهمات وليس لديها مرجعية وازنة، الأمر الذي يعني أن التوتر سيكون سيد الموقف في هذا الخيار على صعيد فتح الداخلي أولاً، وكذا مع الفصائل ثانيا؛ ومع المجتمع الدولي ثالثا والشعب الذي تهمل مطالبه رابعا.
الذهاب بهذا الاتجاه لم تعد البيئة الإقليمية متاحة له ولا حالة الاعتداء الإسرائيلي المتكررة مسهلة له ولا رغبة الشارع الرافضة له، ورغم عدم حساب السلطة لهذه الحسابات فإنها تحسب حسابا لمن يمولها ويشرعن ديكتاتوريتها دوليا في إطار مجمل "رئيس وسفارات وغيرها"، ولذلك هذا يعد انتحارا إذا أصرت السلطة عليه؛ إذ إن التفرد والاستقواء والإقصاء سيدمر المشروع الوطني ويؤسس لصفقة القرن من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
الخيار الثاني: حل السلطة وهذا خيار صعب جدا القيام به بهذه السهولة؛ فلم تعد السلطة بيد فئة أو نظام لأنها سلطة معنوية؛ وأما المؤسسات فهي منظمة للحالة اليومية والسياسية، ولذلك اللجوء لحل مؤسسات لا يضر الشعب الذي رأى سلطته في القدس والمقاومة والالتفاف والجبهة الداخلية؛ فالحرية والسلطة لم تعد منحة من مانح أو متسول للحرية بل هي حقيقة تترسخ كل يوم جغرافياً وبناءً مجتمعيا، كما أنه لا يمكن لأي كان أن يتصرف إقليميا على رأسه خاصة أن خيارات الدول داخل فتح أو التفاعل مع القضية باتت كثيرة ومتقاربة، ولذلك ذهاب فتح في هذا الاتجاه فشل محليا ودوليا، وستكون أصدرت قرار إقصائها بنفسها عن الوحدة والبناء.
الخيار الثالث: وهو الضامن لوحدة فتح الداخلية ووقف أي إجراءات انقلابات داخلية وصون النسيج الفتحاوي خاصة والفلسطيني عامة، وسحب البساط من أي أجندة جانبية بما فيها شهية من يدور في فلك العربدة الحالية؛ وهذا الخيار هو إعادة بناء منظمة التحرير فورا ومعاقبة قتلة نزار بنات ليكونوا عبرة وليسجل التاريخ هذا الموقف، فمنظمة التحرير قوية ضامة لكل الألوان يشارك فيها الحجر والصاروخ والقلم، والدبلوماسية تحمي الحقوق وتصون المشروع الوطني، والدعوة فورا لاجتماع فصائلي يضم رؤساء الفصائل خاصة أن رئيس فتح لم يعد رئيسا شرعيا منتخبا بحسب الدستور والقوانين؛ ولأن النظام السياسي مترهل، وجبت المعالجة فورا والقناعة بتداول سلمي وجو ديمقراطي يغني الجميع عن أي تداعيات للخيارات أعلاه؛ والتي ستكون كارثية على فتح نفسها لأن شهية التفرد والإقصاء ازدادت ودخلت لنفسيات ستطبق أمنياتها في الأيام القادمة في ظل غياب التعددية والوحدة .
كانت الصورة ستكون أبسط لو أن دم المقهور نزار بنات المقتول ضربا وظلما تحول إلى محاسبة المجرمين وتنزيه فتح عن حثالات اعتقدت أنها ستخيف الشعب وتطمس القضية، كانت الصورة أبسط لو ذهب فورا رئيس فتح إلى الخليل وركع يقبل يد والد نزار وأطفاله.
كانت الصورة أبسط لو دعت الفصائل خلال ٢٤ ساعة لاجتماع نظم فورا العلاقة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
كانت الصورة أبسط لو أن حركة فتح هي أول من نزل للشارع بكل جمهورها رفضا للعربدة ومناداة بالانتخابات والشراكة.
كانت الصورة أبسط لو استغلت فتح سيف القدس والوحدة والالتفاف بدل سلخ الناس وتعذيبهم في أريحا فقط لأنهم هتفوا لرئيس أركان المقاومة.
كانت الصورة أبسط لو أن دم نزار كان عبرة لكل شخص؛ بأن مصادرة الحق باطل، وأن التعدي ممنوع، وأن العدل وقمة العدل أن يحاسب الفصيل نفسه من باسمه اختطف نزار من بين أطفاله.
كانت الصورة أبسط لو كان الشعار الذي رفع منذ اللحظة الأولى أن "الاعتراف بالذنب فضيلة".