رحم الله نزار بنات؛ لقد قضى شهيدًا.. وهناك من ينتظر.
إن كل الشرفاء والأبرار من أبناء أمتنا العظيمة -على طول المدى- مشاريع شهادة.. منهم من حمل البندقية، ومنهم من حمل الرسالة والأمانة، في سبيل القضية، وشرف وعزة الحياة.
وإن ملحمة مراثينا، في هؤلاء وأولئك تَضرب أرقامًا لا أول لها ولا آخر في تعدادها، وفي مجمل عناوينها ومعانيها؛ في ضروب البسالة والفداء وحب الوطن.
"نزار بنات"؛ لقد تَعَمَّدَتْ روحك الطاهرة بدمك الزكي، وبدموع وآهات كل الأبرار والشرفاء في كنف الأقصى "فلسطين"، وكل ديار الشرفاء في عالم الحق والخير الجمال.
لقد حمل "أبو كفاح" رسالته، ومضى يقرؤها ويتلوها بأمانة وصدق، في وضح النهار، وبكل وضوح وعنفوان، وبأحلى بيان، يفهمه حتى عَصِّي الفهم.
نعم؛ لأنك هكذا يا أبا كفاح، كنت هدفًا لكل كفرة الحق والشرف والفضيلة.
وبالتأكيد؛ كنت تعرف أين موقعك، وحجم البلية التي تنوء بها كواهل العظماء والأوفياء.. كم كنت شجاعًا وأمينًا في حمل رسالة الوطن، وأهازيج الفداء والكفاح؛ وأنت على يقين العلم بحلكة الظلام التي تلف دنيانا المدلهمة صهينة وغباوة وخيانة لا تستحي.
إن الجرمية التي اقْتُرِفَتْ بحقك يا أبا كفاح، هي -بحق- جريمة مركبة من كل أعراض الخيانة والرذالة، تطال كل الشرفاء والمناضلين في دنيانا.
إنها جريمة غير عادية؛ لأنها غبية أولًا، وخسيسة ثانيًا، وبائسة ثالثًا، وأن مَنْ اقترفها لا شك أنه قد "ولغ" من دم شعبه وأمته، حتى الثمالة، بموروث يعود إلى أسلاف قد مضوا لا أدري إلى أين مصيرهم، وقد تألّبوا على أبناء الجهاد والنضال الحق الشرفاء، تألبوا وتحالفوا مع شياطين ودهاقنة الخسة والنذالة، في الوطن الذي يخيم عليه الظلام، وفي أوطان الجوار والشتات القريب والبعيد، لعلهم يتمكنون من إسكاتهم، حتى يستروا عوراتهم وخيباتهم، واندماجهم، حتى النخاع مع الأعداء.
إن قداسة بلادنا وبركاتها لا تقبل أن تَتَسَتَّر على فضيحة، أو جريمة، مهما صغرت... وهذا تقدير العزيز العليم..! اعلموا هذا يا مَن لا تعلمون.. واعلموا أنكم مفضوحون مهما تسترتم، ومهما استعنتم بشياطين الإنس والجن؛ ومن ثم تحق عليكم اللعنة، وتَرَوْن خزيكم وعاركم ووبالكم في الدنيا، ثم في الآخرة، ولا يمكن أن تَتَفلتوا من العقاب، وتتجرعوا كؤوس الذل والعار، أنتم، ومن والاكم.. وإن الزمان كفيل بأن يتولاكم بلعناته، حتى لو كنتم غافلين أو مغيبين.
ماضيكم يُنْبئ عن حاضركم ومستقبلكم، إن جاز أن يكون لكم مستقبل، قبل الحساب والعقاب..! يا من لا تَقبل لعنات السماء، أن تُذْكَروا بأسمائكم الكريهة، إن بصمات فضائحكم ونذالاتكم قد ضجت كل الأماكن التي تواجدتم فيها، تحت ستار النضال والجهاد والقدس وحقوق الشعب الفلسطيني "المغلوب على أمره" معظم الوقت، انْطَلِق -ببريقها وتلميعاتها- على من صدقوها، من البلهاء والبسطاء..!
ومع شديد الأسف -فإن الكثيرين منا- وخاصة الطيبين قد كانوا -وما زالوا- البيئة الملائمة لعبث العابثين والسماسرة والمتاجرين والمارقين.
وقائع الأحوال
حتى تاريخ الغدر بنزار بنات تكون سلسلة الغدر "السلطوية" من عدة أماكن قبل رام الله قد بلغت حجمًا كبيرًا. وقد أصاب هذا الغدر في مقتل آلاف الفلسطينيين، في حياتهم، وفي أعمالهم، في شتى أماكن شتاتهم، بما استطاعوا أن يفتكوا بهم، أو أن ينزلوا فيهم شر العقاب، لا لذنب اقترفوه، أو لم يقترفوه، حتى إن السكوت وعدم الإفصاح عن النوايا كان ضمن الجرائم التي يمكن أن يحاسبوا عليها؛ سواء بالقتل أو السجن، أو بالطرد من الأعمال، ومن البلدان والدول "المنكوبة" بهذا الوباء...!
وعليه؛ فإنه يمكن اعتبار كل الذين تعرضوا لهذه العربدات "شهداء" لم يموتوا، وإنما تَضَوَّرُوا عذابًا وهوانًا، استحقوا الرثاء، دون أن يُأَبَّنوا أو تُقام عليهم صلاة.
وما البروتوكولات الأمنية بين ما يسمى بالجانب الفلسطيني (منظمة التحرير الفلسطينية) بصفتها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، المُخْتَطَفة من قبل تنظيم فلسطيني بعينه، لا يشترك معه غيره من بقية التنظيمات...! وهكذا يقال: الممثل الشرعي والوحيد...! بل العجب كل العجب، والكذب الصريح، الذي لا ينطلي حتى على المهابيل.
هذه البروتوكولات كان -وما زال- طرفها الآخر جهات "أمنية" في دول ودويلات -عربانية- وهمجية، يتواجد فيها فلسطينيون لسبب أو لآخر، تستهدف تنظيف تواجدهم ممن ينتمون إلى تنظيم لا يرضى عنه "التنظيم القائد"، والممثل الشرعي الوحيد المزعوم للشعب الفلسطيني...!
أخص بالذكر هنا البروتوكولات الأمنية مع بعض دول الخليج العربية.. وقد اتفق بشأنها منذ سبعينيات القرن الماضي.
ومن المؤسف -أن الآلاف من الفلسطينيين، ممن كانوا يتمتعون بنعمة العمل والأمن، قد تم استعداء الأجهزة الأمنية في هذه الدول عليهم، كل ذنبهم أنهم كانوا أو لم يكونوا، مع الجانب الذي اغتصب منظمة التحرير، ومارس وحدانية مزعومة لتمثيل الشعب الفلسطيني.
لا يهمنا ما يستفيده الجانب الآخر في هذه الاتفاقيات، التي تمت في الظلام، إلا أن آلافًا من الفلسطينيين، قد تعرضوا لأشد أنواع الأذى والتنكيل، وزعزعة استقرارهم، دون أن يقترفوا أدنى المشكلات في هذه الدول، التي قصدوها طلبًا للحياة الشريفة، والأمن والأمان الذي ينشدونه فيها، قبل أن تحل فيها "غربان البين" ونعيقهم الذي سمم أجواء المحبة والأخوة في هذه الربوع وقد انطلت أحابيلهم على حكامها وأولي الأمر فيها.
ليت هذه "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" تَرْعَوي وتهتدي لتبدأ من تاريخ بائس تأنف الكلاب الضالة من التماهي معه، وقد عرف الشعب الفلسطيني طريقه بعد طول معاناة وعناء.
وما أسفرت عنه وقائع الأحوال أن شعبنا الفلسطيني قد قلب ظهر المجن، وأنهى حقبة مظلمة من تاريخه، توجهًا بسيف القدس في أيار/مايو، وما أيار المجيد ببعيد.
طب نفسًا يا أبا كفاح... لقد جسدت كل ملاحم الكفاح والجهاد على ثرى فلسطين المبارك.. مع الصديقين والشهداء وتمضي مع كل قوافل الشهداء من مضى، ومن ينتظر... وطوبى للشهداء.