فلسطين أون لاين

حافظ ومحفظ للقرآن

ميسرة العرعير.. استشهد قبل التخرج فكتب أستاذه علامته: "الفردوس الأعلى"

...
ميسرة العرعير
غزة/ ريما عبد القادر:

اشتاقت حلقات تحفيظ وتثبيت القرآن الكريم إلى الصوت الندي للشهيد ميسرة العرعير، فكان يقضي ساعات طويلة محببة إلى قلبه في مسجد التوفيق، ويسمي حلقة التحفيظ باسم "محمد" تيمنًا باسم شقيقه الشهيد الذي سبقه في الشهادة قبل 13 عامًا، ليخرج أجيالًا حافظة ومثبتة لكتاب الله (تعالى).

فقد حاز لقب "المرضي" من والديه، وكان يحرص على طاعتهما حتى في اختيار مجال الدراسة الجامعية في كلية التمريض، التي كان ينتظر والداه تخرجه فيها، خاصة أنه كانا يجمعهما التخصص نفسه.

لكن ميسرة لن يستطيع هذه المرة تحقيق حلم والديه بأن يقف هذا العام على منصة حفل التخرج ويشير لهما بتحية وهو يحمل الشهادة؛ فقد كانت صواريخ الاحتلال أسبق من الفصل الأخير لتخرجه.

تقول شقيقته ملاك (23 عامًا) التي كانت ترتبط به ارتباط كبيرًا خاصة أنه "آخر العنقود": "لا بد كل ليلة حتى إن جاء إلى البيت متعبًا أن يجلس معي ونتبادل معًا الحديث؛ فقد كان حنونًا جدًّا".

وتتابع لصحيفة "فلسطين": "لم أكن أخرج إلى مكان إلا وأجد ميسرة معي؛ فهو من كان يوصلني، فبعد استشهاده اضطررت إلى الخروج إلى مكان فلم أستطع في تلك اللحظة أن أسير في طريقي دون وجود ميسرة، وفي الوقت ذاته لم أرغب أن يشاركني أحد في السير بهذا الطريق الذي اعتدت أنا وميسرة السير فيه؛ فكان الأمر لي مؤلمًا جدًّا".

درجته في الجنة

وقدم ميسرة قبل استشهاده امتحانًا للاختبارات النصفية للفصل الأخير الذي كان يفصله عن تخرجه في كلية التمريض، وقد ظهرت النتيجة بعد تخرجه، فكاتب أستاذ المادة في كشف الدرجات بجوار اسمه: "الفردوس الأعلى".

وتوضح ملاك أن شقيقها كان يحرص على طاعة والديه، فكان بعد الجامعة إما أن يكون مشغولًا في حلقة تحفيظ القرآن، أو بالوقوف مع والده في الصيدلية.

ومن المواقف الحنونة تذكر حينما كان يقوم الليل فكان يرتل القرآن بصوت عذب، لكنه كان يخشى أن يزعج والديه، فيسأل شقيقته: "هل صوتي عالٍ؟ أخشى أن أزعج والدي وهما نائمان".

كلمة "سامحيني" هي الكلمة الدارجة على لسانه، كلما طلب من شقيقته شيئًا كان لا بد أن يقول لها: "سامحيني غلبتك معي".

ومن المواقف التي ما زالت تذكرها حينما كان يريد أن يدعو أصدقاءه إلى إفطار رمضان كان يحب أن تعد له والدته وشقيقته بعض المأكولات، لكن لم يكن يرغب أن يتعبهما فيشتري طعامًا جاهزًا، ويطلب من شقيقته أن تعد لهم العصير والسلطات، ورغم هذا الطلب البسيط كان يردد: "سامحيني يختي غلبتك".

وكان حينما يعود إلى البيت -وإن كان متعبًا- يغسل ملابسه بنفسه، ويعد الطعام بنفسه حتى لا يتعب والدته أو شقيقته، وإذا سألته: "لمَ لم تطلب مني أن أفعل لك؟"، تكون الإجابة مباشرة: "ما بدي أغلبك يختي".

بكلمات معبرة عن حنينها الكبير لشقيقها تتابع: "لا يخرج إلى مكان إلا وقبل عودته إلى المنزل يتصل بي ويسألني: "ملاك شو أجبلك معي؟"، حتى في يوم استشهاده، فكان لا بد أن يحضر لي الشوكولاتة والشيبس والأشياء اللذيذة نتناولها معًا".

وحرص ميسرة على صيام الاثنين والخميس، فكان يعد السحور له ولوالديه، وكذلك الأمر في رمضان، كما كان يشارك والدته وشقيقته في إعداد مائدة إفطار الشهر الكريم.

وحنانه لم يكن على عائلته فقط؛ بل كذلك على الأطفال، إذ تذكر ملاك أن شقيقها قبل استشهاده بأيام قليلة إذ كان القصف شديدًا على حي الشجاعية، والأطفال خائفون، فبقي حولهم يهدأ من روعهم ويحتضنهم ويلاعبهم.

وما زالت ملاك تحفظ العبارة التي كان يرددها ويتأملها ميسرة: "في الجنة تنتهي الغربة ويلتقي الأحبة، وتطيب الجراح، ويهون ما قدمته في سبيل الله، ويأتيك ما تريد طوعًا وزيادة على ذلك النظر إلى وجه ربك الكريم"، فكان كثيرًا ما يسأل الله تعالى أن يرزقه الشهادة ونالها بالطريقة التي سأله إياها، وكان صائمًا في يوم من أيام شوال.

وعندما ارتقى ميسرة قبل أذان المغرب وهو صائم في 20 أيار (مايو) 2021 أعاد لملاك ذكرى استشهاد شقيقها الأكبر محمد عام 2008، إذ تقول: "عندما استشهد ميسرة وجدت فيه الشبه الكبير بينه وبين محمد، استوعبت في هذه اللحظة أن الشهداء يتشابهون في الصفات".