انتشرت عناصر أمنية (بزي مدني) في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية، خصوصا في المناطق التي توجد فيها المظاهرات احتجاجا على قتل المعارض السياسي نزار بنات، في محاولة لإرهاب الناس، وممارسة صور مختلفة من القمع، والاعتداء الوحشي، على الصحفيين والنشطاء وكل من يوجد داخل هذه التظاهرات.
أسلوب لجأت إليه "المنظومة الأمنية" في الضفة للاختباء خلف الزي المدني، دون إظهار أن الفعل منسوب للأجهزة الأمنية، بغرض تخفيض حدة الانتقاد للسلطة وأجهزتها، وإيهام كل المتابعين أن ما يحدث اشتباك بين "مؤيدين ومعارضين" من عوام الشعب نتيجة الأحداث الجارية.
لكن أهالي الضفة الغربية نجحوا تماما في فضح هذه المؤامرة الخطرة، وبدؤوا بالكشف عن أسماء هؤلاء وعناوينهم والأجهزة التي يتبعون لها، في حين نجح بعض الصحفيين في التقاط صور تؤكد ذلك من خلال بعض الأسلحة المخفاة خلف ملابسهم، وقد وثقت الصور نشاطا لضباط "برتب سامية" من عدة أجهزة يوجهون هؤلاء ويتبعون لعدة أجهزة، منها: المخابرات العامة، والأمن الوقائي، والاستخبارات.
ما دفع بعضهم للتراجع بعد مهاجمته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والضغط الاجتماعي على عائلته، ليدفعه ذلك لإعلان نيته عدم المشاركة في هذه المهام، والتعهد بالابتعاد عن التظاهرات، لأن هؤلاء من خلال نزولهم بالزي المدني في المهام والاشتباك مع المتظاهرين تورطوا في بعد شخصي وعائلي، وبالتالي فإنه لا أحد يقبل أن يعتدى عليه وعلى أبنائه وبناته من أشخاص مدنيين.
فالأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أمرت قيادة فتح في الضفة كوادرها وعناصرها بمواجهة المتظاهرين في الميدان، لوقف تنامي الاحتجاجات، وتخريب كل الفعاليات، ظنا منها أن هذا الأسلوب يمكن أن يؤدي لتطويق فعل المتظاهرين، وخفض مستوى التهديد الذي تتعرض له قيادة السلطة، التي وجدت نفسها في مواجهة موجة عارمة من الانتقادات التي أصبحت تطالب برحيلها.
وقد بدا واضحا أن قيادة السلطة وحركة فتح تدفع بعناصرها وبأجهزتها لمواجهة المتظاهرين في الميدان، في مشهد يقودنا لسيناريو (الحرب الأهلية)، والاقتتال الداخلي، فهذا هو أحد الخيارات التي تحاول السلطة فرضها علينا، فإما الرضوخ لسياسات وممارسات السلطة، وإما الدخول في الفوضى العارمة، وذلك لتخويف الجماهير وتحميلها مسؤولية ما يحدث، وبالتالي إمكانية السيطرة ووقف حالة الغضب الممتدة في مدن ومحافظات الضفة.
لكن المراهنة فقط على وعي شعبنا في أن هذه المحاولات اليائسة للسلطة ولبعض قيادات فتح لن تحقق أيا من أهدافها في إرهاب شعبنا وتخويفه ومنعه من التعبير عن رأيه، فشعبنا كسر حواجز الخوف، ولن ترهبه كل هذه "الأساليب الرخيصة"، ولن يوقف ثورته ضد الفساد والاستبداد، حتى ينهي دور هذه السلطة التي جلبت لنا العار، وقامرت بمشروعنا الوطني، واحترفت كل وسائل وأساليب الاستسلام والانبطاح للاحتلال الإسرائيلي.
ويمكن القول إن دماء نزار "أيقظت الجميع" دون استثناء لخطر السلطة وفسادها الداهم، ووحدت صفوف شعبنا خلف هدف مركزي، ألا وهو ضرورة إنهاء دور القيادات الفاسدة في السلطة، والعمل على تصحيح مسارها، بما يناسب مشروعنا الوطني، وبما يحقق الأهداف الكبرى، وعلى رأسها تحرير فلسطين، لأن بقاء هذه القيادات والهياكل بهيئتها أكبر معطل لمشروعنا الرامي لطرد الاحتلال.
وهذا يحتم علينا الالتفاف جميعا حول التظاهرات، ودعم الحراك الوطني، وإسناده سياسيا، وحشد كل الطاقات له لضمان الاستمرار، حتى نفشل مساعي السلطة في تقويضه والقضاء عليه، لأن بقاء هذه الفعاليات والمحافظة على وتيرة متصاعدة من الاحتجاجات كفيلان بتغيير المعادلة، وفرض واقع جديد يؤسس لإصلاح جذري في هيئة وتركيبة وبرنامج هذه السلطة، وإنهاء دور رموزها من عناوين تربَّحت على حساب شعبنا طويلا وغامرت بحقوقه وثوابته.