فُتح الجرح مجددًا لينزف، لتعاد كرة أحداث عدوان 2014 مرة أخرى، وكأنها ضغطت على زر تشغيل فيديو مصور، قصف كثيف ومتواصل، ودخان متصاعد، وبيوت تصبح ركامًا، شريط يعاد مرة أخرى أمام ناظريها، وهذا ما حدث معها في العدوان على غزة في مايو/ أيار الماضي.
إلهام أبو ستة (28 عامًا)، فنانة تشكيلية وأم لطفلين، من بيت لاهيا شمال قطاع غزة، لم تخسر بيتها فقط، بل متنفسها لوحاتها وألوانها أيضًا.
موهبتها اكتشفتها منذ طفولتها ولم تعكف على تطويرها إلا بعد أن تأكدت من وجود مرسى وقواعد لها، وكان ذلك قبل عام من مرحلة الثانوية العامة، ثم لجأت لدراستها أكاديميا فتخرجت من دبلوم للفنون والحرف اليدوية لتبدع في رسم اللوحات وتكون متنفسا لها في وقت فرحها وحزنها.
جاء عدوان ٢٠١٤ ليفسد فرحة زواجها التي لم تمضِ عليها سوى ٢٠ يومًا فتدمر منزلها وأصبح ركاما، تقول لصحيفة "فلسطين": "اختلط الركام والحجارة وجهاز الملابس وعفش بيتي الجديد، إلى جانب لوحاتي وألواني، لم تقوَ نفسيتي على تحمل الصدمة ونسجت لوحة من الأقمشة الممزقة التي لم تنجُ في العدوان الأخير".
وفي بداية العدوان ومع اشتداد القصف على المنطقة التي تسكن بها خرجت إلهام وعائلتها والخوف يتملك قلوبهم وعيناها ترنو إلى تعب السنوات الماضية في الرسم وابتكار ما هو غير تقليدي ولكن ليس باليد حيلة ففي تلك الأجواء العصيبة بالكاد يستطيع الشخص النجاة بنفسه.
وتضيف بصوت خافت يعود لشريط ذكرياتها: " ضعفت شهيتي للرسم والألوان كما الطعام بفعل الظروف التي مررت بها وحالة الخوف التي سيطرت علي لحظة النزوح من البيت".
ولكن إلهام لم تجد سبيلا للتنفيس والتفريغ عما بداخلها سوى لوحتها وريشتها، فنسجت لوحات من الألوان وغرز التطريز، متابعة حديثها: "دمجت نوعين من الفن التشكيلي والرسم بالفرشاة والتطريز لأجد بعدًا ثالثًا وعمقًا في لوحاتي الفنية".
شاركت في معرض فني مؤخرّا، وجذبت أنظار الزوار بأسلوبها الفني الجديد لإجادتها الرسم بالفرشاة وكذلك الإبرة، ومن تلك اللوحات لوحة القدس، إذ تقول: "إنها ليست في قلوبنا فقط، بل في عقولنا أيضا، ويَعرف الفلسطينيون كيفية الدفاع عنها، فرسمت قبة الصخرة بألوان الاكريليك وأحطتها بالكوفية الفلسطينية، وأخرى لشخصية أبي عبيدة طرزتها بالخيوط الحمراء، الذي أصبح رمزًا للشعب الفلسطيني".
وتشير إلى أن الهدف من العودة للرسم هو الخوف على موهبتها، والإشارة إلى أسلوبها الفني الجديد، ولترسم لوحات غير تقليدية.
وتلفت إلهام إلى أن الفترة الماضية كانت الأصعب عليها بعد قصف منزلها للمرة الثانية وفقدان كل شيء حتى لوحاتها، "شعرت بصدمة نفسية، ولم أقوَ على الرسم في البداية إلا بعد إلحاح من أصدقائي الفنانين بالرسم والمشاركة في المعارض التي تقام".
وتطمح إلى أن تكون لها لمسة فنية تضيف بعدا وطنيا على لوحاتها، وتظهر جمال الطبيعة الفلسطينية، وتتمكن بيدها من إعادة رسم لوحات قوية تشارك فيها بمعارض عربية ودولية.