خلال المواجهة الأخيرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي تسبب القصف العنيف لقطاع غزة بإدخال طفله الصغير الذي لا يتجاوز من عمره 11 عامًا في نوبات من الصراخ، والبكاء الهستيري، وكل محاولات تهدئته كانت تبوء بالفشل، ولم يكن يملك خيارًا سوى احتضانه، ولكن لا جدوى.
المواطن طلال أبو ركبة والد طفل مصاب بالتوحد، يقول لصحيفة "فلسطين": "في بداية الحرب كان وضعه صعبًا جدًّا لعدم إدراكه ما يحدث، ومعروف أن طفل التوحد نمطي يتعود على شيء محدد، فصوت القصف والانفجارات المسموعة داخل البيت والاهتزازات كان له شيئًا مفزعًا تمامًا، يشعر بأن شيئًا يخيفه لكنه غير مدرك له، ومع كل صوت كان يأتي يشد يدي لأعمل على إيقاف الصوت".
ويشير إلى أن طفله كان غير مدرك أو متفهم ما يدور حوله، لكنه يشعر بالخوف، فيصرخ بصوت عالٍ ظنًّا أنه سيخرج من هذه البوتقة، فيحاول تهدئته، لكنه كان يفشل في كثير من المرات.
ويستذكر أبو ركبة أنه كان يجمع أفراد العائلة كافة خلال الحرب في غرفة واحدة لاعتقاده أنها أكثر أمنًا، وبعد انتهاء العدوان أصبح طفله يرفض تمامًا دخول تلك الغرفة، فوفق تفكيره دخولها سيجلب له المزيد من أصوات القصف، إلى جانب أنه بات يخاف البيت في الليل، ويحب العزلة والانطواء، ويرفض التجمع.
لم يكن بوسع طلال سوى احتضان نجله للتخفيف عنه؛ فهو مراهن على الوقت لخروجه من الأزمة، فليس أمامه وسيلة أخرى، خاصة أنه كان ملتحقًا بمؤسسة وأغلقت بسبب أزمة كورونا.
أما أم زين الكردي -وهي أم لطفل مصاب بالتوحد، واختصاصية في مجال التعامل مع تلك الفئة- فتبين أن الأطفال من أكثر الفئات تضررًا وتأثرًا بالحرب عمومًا، وأطفال التوحد خاصة.
وقالت لصحيفة "فلسطين": "استخدمت الجوال لإبعاد طفلي عما يحدث حوله، من أصوات مرعبة والمشاهد التي تبث على شاشات التلفاز، رغم إدراكي خطر الهواتف المحمولة، وبحمد الله لم تبدُ عليه أي تصرفات غريبة، ونجحت بإبعاده عن الأحداث".
وتتابع الكردي حديثها: "وضعت له برنامجًا يوميًّا لقضاء الوقت، ولكن ما شعرت بتأثيره عليه هو مكوثه طيلة أيام الحرب في البيت وعدم خروجه، وحاولت الحفاظ على هدوئي وهدوء إخوته النفسي حتى لا تنعكس المشاعر السلبية عليه، وتلطيف الأجواء حوله لبث الثقة بنفسه، ولا يشعر بتغير أسلوب حياته قدر المستطاع".
وتوضح أن الحرب تتسبب بحدوث انتكاسات للأطفال عامة وأطفال التوحد خاصة، فإصابتهم بالخوف والتوتر والقلق تؤدي إلى عرقلة تطور الدماغ، وإضعاف العقل، والإصابة بضعف الإدراك، وقد يكبت مشاعره وحزنه وألمه، وبذلك لا يستطيع التعبير عما يدور بداخله، فيعرضه ذلك لنوبات غضب وبكاء، وقلة نوم وبعض المشاكل النطقية، ما يؤثر في الحالة الاجتماعية، فيهرب من الواقع الذي يعيش فيه.
وتلفت الكردي إلى أن الأطفال هم الحلقة الأضعف، وتأثرهم بالحزن له مشاكل كثيرة، فواجب الآباء والأمهات الحفاظ على الحالة الطبيعية وجو البيت، وبث الثقة في نفوسهم، فخوف الأهل ورعبهم مما يدور حولهم يؤثر بشكل كبير على نفسية الطفل، فلذلك عليهم تهدئته وتعزيز ثقته، وإشعاره بالأمن والأمان حتى لا تتأثر نفسيته، لكونه غير مدرك ما يدور حوله؛ فيمكن إلهاؤه.
ومن جهته تحدث الاختصاصي النفسي والاجتماعي د. إسماعيل أبو ركاب أن مشكلة أطفال التوحد هي أنهم غير مدركين للواقع، وليس لديهم أي أحاسيس تجاه أي متغيرات خارجية، لذلك لا يوجد تأثير للحرب في هذه الفئة، لكونها لا تدرك معنى العلاقات الوالدية الضيقة بسبب طبيعة مرضها، وبذلك لن تدرك أي متغيرات حولها، ولو كانت خطرة.
ويبين أن أصوات القصف والحرب والجلوس في البيت خلالها قد تعرض بعض الأطفال المصابين بالتوحد لانتكاسات مرضية، لكون حياتهم اختلفت بعد أن كانت تسير على وتيرة واحدة، فهم بحاجة إلى دمج وتعليم مهارات، وإن لم يتمكنوا من تلقي تلك الخدمات فسيصبحون أكثر عدوانية وشراسة.
وينبه أبو ركاب إلى أن الطفل المتوحد شخص يعيش من بداية حياته إلى نهايتها منفصلًا عن الواقع، ولا تؤثر فيه أي عوامل خارجية، ولكنه يشعر بالخوف لأنه فطرة إنسانية، ولكن عند انتهاء الحدث يزول الخوف بسرعة كبيرة عند طفل التوحد لسبب بسيط جدًّا، عدم وعيه ما يدور حوله.