"إن أنكر الأصوات لصوت الحمير"، صدق الله العظيم.. لكن ثمة ما يشبه نهيق "بني الحمير"؛ فإنه -وهو من أسرة البشر- أشد مضاضة على النفس والسمع، من نهيق الحمير، مهما تم توقيعه على مقامات النهوند، أو السيقا، أو البيات، أو غيرها...
تلك الحشرجات، واختلاطاتها بالفحيح والنشيج في مزابل التطبيع، في العواصم القواصم الأعرابية وفي تل أبيب، غدت على مسامع أحرارنا ومجاهدينا العظام أصوات قرف ونشاز، تطل علينا -بوساختها ونتانتها عبر شتى الأقنية البصرية والسمعية (الأوديو –فيديو) القذرة القميئة، المضمخة بصهيونية؛ تعلو نبرتها على صهيونية "هرتزل، وبن غوريون، وكل آل صهيون...".
يا لها من مشاهد مؤلمة...!
وكم هي مقرفة، ومقززة في تناغمها مع أسماع صماء، وأبصار لا تبصر، وأحاسيس بليدة، لا تحس، في "معازل وباندوستانات" أشباه البشر في الجغرافيا العربية، المعزولة بجدران الهبل، و شتى الأمراض النفسية والعقلية والأمية السياسية والفكرية؛ بعيدًا عن عوالم الحضارة والحياة البشرية السوية.
كأنها أجواء طبيعية...
وإذ يبلغ التأثير أشده على إيقاع مزامير التطبيع بين مزبلة تل أبيب، ومزابل المهابيل والمساطيل؛ تختفي مصطلحات الخيانة، والعيب والعار، والنتانة، والوساخة، والنَّوْرَنَة، والهرطقة، وما إلى ذلك من الرذائل؛ التي يتوارى خلفها مصطلح "التطبيع العتيد"، وكأن هذا من مفاعيل محاكاة الطبيعة، البعيدة عما يزعمون، أو يتغنون...!
يا للهول؛ ويا للمهانة، أن نسمع وأن نرى، من يعتمرون العمائم والعقل، ومن يَتَزَيَّون بأزياء العرب ينفخون في نيران تصهينهم، وكأنهم بلغوا عنان السماء، في "الفضيلة والألمعية الفكرية".. وكل ذلك، جهارًا نهارًا، ودون حياء أو خجل...!
ما شاء الله! ترى من ينكر عروبة الفلسطينيين وانتماءهم للإسلام، وغير الإسلام؛ وترى من ينكر الأقصى، وأن أي مسجد في بقاع الأرض أكثر منه بركة...
كما وتَرى من يحرض على إنكار حق الفلسطينيين في الحياة والوجود...! ناهيك بمن ينادون بالاعتذار لبني صهيون عما حاق بهم من ظلم أبناء فلسطين، ومطالبتهم بالتكفير، ودفع التعويض لهم، إلى غير ذلك...!
وبعد؛ لقد بلغت الوقاحة –عند هؤلاء– مبالغ لا حدود لها.. ومن المؤلم أنها تصم آذانها عن سماع صوت الحق والضمير، وتتمادى في وقاحتها، بمقدار قوة وإمكانات قاداتها، وقواديها، وداعميها من خلف الجدران، والبحار والمحيطات...
لا أستطيع أن أقول: اتقوا الله... وأظن كل الظن أنهم قطعوا الصلة مع الله والسماء؛ وما عاد يجدي معهم نصح أو إرشاد...
هذا؛ وسوف أترك لمنابر العقل والدين، إن شاؤوا تكفيرهم، أو إنزال العقوبة التي يستحقون...
*****
نعود إلى عالم الحمير...
وعلى إيقاع النهيق، يقول قائل: يتفلسف الحمار فينهق...، ويقول آخر: "يتوقف الحمار عن النهيق إذا ما شبع...".
ومن جهة أخرى نجد من يتبرك بالحمير وسجاياها؛ فهذا الفيلسوف الإغريقي (فيتاغورس) يكني نفسه بالحمار.. وذاك آخر خلفاء بني أمية إبراهيم بن محمد يلقب نفسه بالحمار، أو "الجعدي"، وأن شعار الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الصهيونية "الحمار"، وكذلك شعار ألمانيا... إلى غير ذلك تقربًا من بني الحمير؛ ذلك لميزة الصبر والجلد عند قومية الحمير...
أما رعيل كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة "ومجاذيب" أبراهام، ومن سيأتون أو ينهقون في فيافي التيه العربي، فليس لهم إلا أن نُذَكِّرهم بأن: "أنكر الأصوات لصوت الحمير..."، وأن التبن والشعير على قارعة الطريق؛ "فكلوا واشربوا وقروا عينًا"، أو لا تقروا... ما أنتم إلا حمير حتى لو تحليتم بأحلى السروج...
طبعوا أو انهقوا أو تصهينوا
يا أقذر مزابل التاريخ...