ما حققته الحركة الأسيرة في معركتها معركة الحرية والكرامة، التي بدأت في يوم الأسير الفلسطيني في السابع عشر من نيسان (أبريل)، وانتهت في اليوم الأول من شهر رمضان؛ هو أعظم انتصار لها ولشعبنا وقضيتنا، بإضرابها المفتوح عن الطعام الذي تطور لاحقًا إلى الامتناع عن الشراب وأخذ المدعمات، الأمر الذي أدى إلى استجابة إدارة سجون الاحتلال لمطالبهم العادلة والمشروعة والمنصوص عليها في القوانين والأعراف الدولية.
هذا الإضراب المفتوح عن الطعام هو الرابع والعشرون من نوعه الذي خاضته الحركة الأسيرة الفلسطينية منذ بداية هذا الاحتلال، وقد حققت انتصارًا تلو الانتصار تقريبًا في كل مرة، ولكن هذه المرة كان انتصار الحركة الأسيرة ليس لذاتها، فالإضراب في سقفه الأعلى لم يصل حجم المشاركة فيه إلى 1500 من نحو 7000 أسير.
ما كان لإضراب الأمعاء الخاوية أن يتحقق لولا عدة عوامل أدت في نهاية المطاف إلى الاستجابة لهذه المطالب المطلبية والإنسانية، مع محاولات الاحتلال متمثلًا بإدارة السجون لإفشال هذا الإضراب بعدة وسائل، من أبرزها سياسة العزل والتهديد والوعيد وبث الأضاليل بين صفوف الأسرى المضربين، في محاولة لزعزعة الثقة في صفوفهم، لكن هذه الأساليب جميعًا باءت بالفشل الذريع أمام الثقة المتبادلة بين الأسرى، وتعاهدهم على مواصلة إضرابهم الذي يعد السلاح الأخير في وجه إدارة السجون لتحقيق مطالبهم ومكتسباتهم التي انتزعت منهم عنوة، ليصبح التعامل معهم كأنهم سجناء جنائيون.
والعامل الأول الذي أدى إلى تحقيق الانتصار في معركتهم معركة الأمعاء الخاوية هو إرادة الأسرى وتصميمهم على الانتصار، مع تردي أوضاعهم الصحية، ووصولها إلى درجة الخطر، واحتمال ارتقاء شهداء.
فالإرادة التي صممت على الانتصار مع مضي الأسرى في إضرابهم الشامل عن الطعام حتى ٤٠ يومًا هي المنتصرة دومًا، كما علمنا التاريخ وتجارب الشعوب التي ناضلت من أجل حريتها واستقلالها، والتخلص من الاستعمار الذي جثم على صدور أبنائها عشرات السنين.
وثاني هذه العوامل هو الإسناد الجماهيري المتواصل لأسرى الحرية والكرامة، والمتمثل بخيم التضامن والإضرابات والمسيرات وغيرها من أساليب التضامن الأخرى، وكذلك التضامن العربي والدولي الذي أثبت جدارته وكشف حقيقة الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى، طالبين الحرية لشعبهم الذي لا يزال يئن تحت أشرس احتلال عرفه التاريخ البشري الذي يعد آخر احتلال في العالم.
من الواضح أن إدارة السجون تحاول التقليل من هذا الانتصار بما تبثه وتصرح به من أنها لم تستجب للعديد من المطالب، ولكنها وعدت بدراسة بعضها، لكن حتى مجرد الوعد هو تراجع واضح من قبل هذه الإدارة التي أثبتت وتثبت دائمًا مدى عنصريتها وحقدها على أسرى الحرية والكرامة الإنسانية.
كل التحية للحركة الأسيرة التي استطاعت تحقيق الانتصار، وأيضًا توحيد الجماهير الفلسطينية في جميع أماكن وجودها خلف مطالبهم والتضامن معهم، فالوحدة الميدانية التي تجسدت في برامج التضامن مع الأسرى دليل واضح على أن باستطاعة وحدة الصف، والوحدة الميدانية تحقيق ما يعجز عن تحقيقه الانقسام، وكلنا أمل في أن تتواصل هذه الوحدة الميدانية حتى إنهاء هذا الانقسام، فهذا النصر المبين للأسرى أشاع أجواء ومناخات إيجابية من الأمل، وجاء كاشفاً للعورات ومعرياً لكيان الاحتلال؛ فهو انتصر أولاً على برنامج إدارة سجون الاحتلال وأجهزة مخابراته، القائم على أساس كسر إرادة الحركة الأسيرة وتحطيم معنوياتها، واستمرار تفككها وانقسامها، وتفريغها من محتواها النضال والوطني.
قد يشكل هذا الإضراب رافعة و(بروفا) لاستعادة الحركة الأسيرة وحدتها القيادية والتنظيمية الوطنية الموحدة، إذا ما أحسنا استغلال واستثمار المنجزات التي حققها، من حيث منع إدارة السجون من الاستفراد بالحركة الأسيرة فصائل ومناضلين، وهذا يتطلب مغادرة عقلية الأنا والفئوية المقيتة، ومحاصرة ولفظ من يتساوقون مع برنامج إدارة السجون في سبيل مكاسب ومصالح وامتيازات شخصية.
هذا النصر المنجز المتحقق لا يمنعنا من القول إن الحركة الأسيرة يجب أن تكون عامل توحيد في المجتمع الفلسطيني، وفعاليات الدعم والإسناد لهم كانت شاملة على طول مساحة فلسطين التاريخية، ولعل أهلنا وجماهيرنا في الداخل الفلسطيني (أراضي الـ48) كانوا حاضرين في فعاليات وأنشطة دعم وإسناد الحركة الأسيرة بفاعلية.