"بين حانا ومانا ضيَّعنا لحانا ". هذا المثل ينطبق انطباقا كليا على ما يتعلق بصفقة شراء مليون جرعة تطعيم (فرايز) من دولة الاحتلال. السلطة الفلسطينية أبرمت اتفاق الصفقة، والسلطة نفسها تخلت عنها وأعادت ما تسلَّمته منها إلى الطرف الإسرائيلي. السلطة العتيدة النزيهة جدا تسلمت (٩٠) ألف جرعة. الأطباء الميدانيون وجدوا أن الجرعات المستلمة لا تصلح؛ لانتهاء زمنها، أو لقرب انتهاء زمنها. الأطباء سربوا المعلومة لوسائل الإعلام. وسائل الإعلام فضحت السلطة وفضحت الجهات التي أبرمت الصفقة. المواطنون امتنعوا عن تلقي التطعيمات. السلطة تحيرت، ثم لم تجد حلا، ثم قررت إلغاء الاتفاق، وأرجعت ما تسلمته، وخرجت بتصريحات تفتخر بالإرجاع، بحجة عدم موافقة ما تسلمته المواصفات المتفق عليها.
الطرف الصهيوني تلقى المرجع وألقى به في القمامة. الطرف الصهيوني الموقع على الصفقة قال: الطرف الفلسطيني كان يعلم قبل التوقيع على اتفاق التوريد أن الأيام المتبقية على انتهاء صلاحية الجرعات محدود، أي أن الطرف الفلسطيني لم يتعرض لأي محاولة غش أو خداع. الطرف الفلسطيني تعرف إلى خصائص المعروض عليه صحيا، وقبِل بذلك لأسباب يعرفها ولا علاقة له بالصحة. المريب في تصريحات الطرف الصهيوني أنه لم يحدد بدقة الجهة الفلسطينية التي وقعت على اتفاق الصفقة. أي لم يُسمِّ المؤسسة أو الشخص الذي وقع على الاتفاق.
التعمية المقصودة إسرائيليا فتحت الباب أمام تصريحات متضاربة وأخرى منفية، إذ ينسب للدكتور الشخرة أن حسين الشيخ هو الجهة التي أبرمت اتفاق الصفقة، ووزارة الصحة اقتصر دورها في التسلم ليس إلا. حسين الشيخ نفى مسؤوليته الشخصية، ومسؤولية وزارته عن الاتفاق. أطراف فلسطينية ثالثة طالبت عباس بتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة المسؤول.
عباس لم يبادر بتشكيل لجنة تحقيق، وأرجح أنه لن يشكل هذه اللجنة، لأنه هو الجهة التقليدية التي تحمي الفاسدين، بل وترقي الفاسدين لأسباب يعرفها من يتابعون الشأن الفلسطيني الداخلي.
الصفقة الفاسدة تعني أن جهة فاسدة قامت بعمل فاسد لأهداف فاسدة غير معلنة، ولولا أطباء ميدانيون لا شأن لهم بالفساد، ولولا وسائل الإعلام لتم تطعيم المواطنين بلقاح فاسد. هذه صورة من صور عديدة فاسدة لإدارة المال العام، وخداع المواطنين، ثم حجب الحقائق عنهم.
إن لجنة تحقيق تحدد المسؤولية هو أدنى ما يطلبه المواطن الفلسطيني، وهو أدنى واجب من واجبات السلطة إذا لم تكن شريكا في الفساد. ونختم بما بدأنا به: "بين حانا ومانا ضيعوا لحانا"، بل ضيعوا فلسطين والفلسطينيين.